الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قرأ أهل الحجاز إِلا عاصماً " دكاء " بالمد والهمزة من غير تنوين - ها هنا وفى الكهف - وافقهم عاصم في الكهف. الباقون { دكاً } منونة مقصورة في الموضعين، قال أبو زيد: يقال: دككت على الميت التراب أدكه دكاً: اذا دفنته وأهلت عليه، وهما بمعنى واحد، ودككت الركية دكاً اذا دفنته، ودك الرجل فهو مدكوك اذا مرض، وقال أبو عبيدة { جعله دكاً } أي مندكاً، والدَّك والدَّكة مصدره، وناقة دكاء ذاهبة السنام والدك المستوي، وانشد للأغلب:
هل غير عاد دكَّ عاداً فانهدم   
وقال أبو الحسن: لما قال { جعله دكاً } فكأنه قال: دكه أي أراد جعله ذا دك، ويقال: دكاء جعلوها مثل الناقة الدكاء التي لا سنام لها. قال أبو علي الفارسي: المضاف محذوف - على تقدير في قول أبي الحسن، وفي التنزيلوحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } وقالكلا إِذا دكت الأرض دكاً دكاً } وقال الرماني: معنى دكاً مستويا بالأرض، يقال: دكه يدكه دكاً إِذا سحقه سحقاً، ومنه الدكة. واندك السنام اذا لصق بالظهر. وقال الزجاج: دكاً يعني مدقوقاً مع الأرض، والدكاء والدكاوات الروابي التي مع الأرض ناشزة عنها لا تبلغ أن تكون جبلاً. وقيل: إِيه سباخ في الأرض - في قول الحسن وسفيان وأبي بكر الهذلي. وقال ابن عباس: صار تراباً، وقال حميد:
يدك أركان الجبال هزمه   يخطر بالبيض الرقال بهمه
وقيل في معنى قراءة من قرأها ممدودة قولان:

احدهما - انه شبَّه الجبل بالناقة التي لا سنام لها، فيقال لها: دكاء فكأنه قال فجعله مثل دكاء.

الثاني - فجعله أرضاً دكاء.

أخبر الله تعالى في هذه الآية أن موسى (ع) لما جاء الى مقات ربه وهو الموضع الذي وقته له، وكلمه الله تعالى فيه سأل الله تعالى أن يريه لينظر اليه. واختلف المفسرون في وجه مسألة موسى (ع) ذلك مع أن الرؤية بالحاسة لا تجوز عليه تعالى على ثلاثة أقوال:

أحدها - أنه سأل الرؤية لقومه حين، قالوا لهلن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } بدلالة قولهأتهلكنا بما فعل السفهاء منا } فإِن قيل على هذا ينبغي أن يجوزوا أن يسأل الله تعالى هل هو جسم أم لا أو يسأله الصعود والنزول، وغير ذلك مما لا يجوز عليه؟!

قلنا عنه جوابان:

أحدهما - أنه يجوز ذلك إِذا علم أن في ورود الجواب من جهة الله مصلحة، وأنه أقرب الى زوال الشبهة عن القوم بأن ذلك لا يجوز عليه تعالى، كما جاز ذلك في مسألة الرؤية. وقال الجبائي: إِنهم سألوا الله تعالى قبل ذلك هل يجوز عليه تعالى النوم أم لا؟ وقالوا له: سل الله أن يبين لنا ذلك، فسأل الله تعالى ذلك، فأمره بأن يأخذ قدحين يملأ أحدهما ماء، والآخر دهناً، ففعل وألقى عليه النعاس، فضرب أحدهما على الآخر فانكسرا، فأوحى الله تعالى اليه أن لو جاز عليه تعالى النوم لاضطراب أمر العالم، كما اضطرب القدحان في مدة حتى تكسرا.

السابقالتالي
2 3