الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا } يوم الخميس يوم عرفة كلمه الله فيه وأَعطاه التوراة صبيحة يوم الجمعة يوم النحر، أَو ذلك يوم عاشوراء { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } صير الله الأَرض مظلمة مع الطور سبعة فراسخ أَو أَربعة من كل جهة حين جاءَ للمناجاة، وطرد شيطان موسى وهوام الأَرض، ونحى ملكيه وكشط السماءَ ورأَى العرش والملائكة عابدين لله فى الهواء، وسمع صرير أَقلام الملائكة وكلمة الله، ولم يسمع جبريل مع أَنه معه، أَنشأَ الله له كلاما وسمعه من كل جهة وفى جميع جسده، خلقه الله فى ذلك أَو حيث شاءَ من الهواء أَو من الشجر أَو من الأَرض أَو من الجبل فسمعه حروفاً وأَصواتاً، وروى أَنه كلمه باثنى عشر مائة لغة ولم يفهم حتى كلمه بلغته، وأَول ما كلمه بلغة البربر وذاك أَلف ومائتا لغة، ويروى كلمه بأَلف لغة وكان يصف كلامه تعالى بالرعد القاصف مع حلاوته له عليه السلام، وعدم صعوبته، وقد قال أَبو منصور الماتريدي أَنه خلق له الكلام فى الشجرة، وروى: سمع صرير الأَقلام بالكلمات العشرة، وأَن ذلك كله أَول يوم من ذى الحجة، ولا تقل سمع كلامه القديم، وهو صفة أَزلية بلا صوت، لأَن القديم لا ينتقل ونحن لا نثبت الكلام القديم النفسى، بل كلامه تعالى خلق الكلام أَو نفى الخرس، أَو إِحاؤه، ولم يختص بإِذنه ليعلم أَنه من الله عز وجل لا من شيطان، كما روى أَن إِبليس غاص من بعيد حتى خرج من بين رجليه فقال له: إِن مكلمك شيطان، وعلم موسى أَنه من الله لسمعه من كل جهة وبجسده كله، ومن ذلك كان على وجهه مثل شعاع الشمس فغطاه ببرقع إِذ لا يقدر أَحد أَن ينظر إِليه، وقالت زوجه: لم أَر وجهك منذ كلمك ربك، فكشفه لها، فأَخذها مثل الشمس شعاع، فوضعت يدها على وجهها وخرت ساجدة، وقالت: ادع الله أَن أَكون زوجك فى الجنة، قال: ذلك إِن لم تتزوجى بعدى، فإِن المرأَة لآخر أَزواجها، { قَالَ } على لسان الذاهبين معه، وقال قومنا: هو من قول موسى على ظاهره { رَبِّ } يا رب { أَرِنِى } نفسك { أَنْظُرْ إِلَيْكَ } أَى أَرك، أَى أَظهر لى أَرك، أَو قونى على أَن أَراك ولو لم تظهر لى، أَو أَزل مانع الرؤية أَنظر إِليك، ويقال: لما استحلى ما سمع من الكلام هاج به الشوق إِلى طلب الرؤية، مع علمه بأَنها لا تكون فى الدنيا ولا فى الآخرة، لأَن ما نفيه مدح لا يختص انتفاؤه بزمان، ولأَن المرئى جسم فى جهة مركب متلون، والله منزه عن ذلك، فإِذا ادعى أَن يرى بلا كيف فذلك تناقض، ونفى الإِدراك ممنوع، فإِذا رؤى فقد أَدرك، ولو كان ذلك لا يطاق ولا يقدر على وصف، وانتفاء الرؤية ذاتى كما أَن انتفاءَ الشبه ذاتى وما هو ذاتى لا يتخلف بالدنيا والآخرة ولا يخفى أَن قدمه تعالى ينافى مباشرة الحادث، وإِلا كان حادثاً أَو الحادث قديماً، وكلا الأَمرين باطل، ومعلوم أَن القديم لا تحل به صفات الحادث والمخالف للحوادث لا تدركه الحوادث { قَالَ لَنْ تَرَانِى } لم يقل لن تنظر إِلىَّ، إِما لأَن النظر هنا إِما نفس الإِدراك بالعين فذاك وإِما توجيه الحدقة إِلى جانب المرئى وغايتها حصول الرؤية، فذكر الرؤية.

السابقالتالي
2