الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ }؛ الآيةُ، قال المفسِّرون: خرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى أحُدٍ حتى نزلَ بالشِّعْب من أحُدٍ في سبعمائة رجلٍ، وأمَّرَ عبدَالله بن جُبير من بني عمرِو بن عَوفٍ على الرُّماة وهم خمسونَ رجُلاً، وقالَ: (أقِيْمُواْ بأصْلِ الْجَبَلِ وَأنْضَحُوا عَنَّا بالنَّبْلِ لاَ يَأْتُونَ مِنْ خَلْفِنَا، وَإنْ كَانَتْ لَنَا أوْ عَلَيْنَا فَلاَ تَبْرَحُواْ مِنْ مَكَانِكُمْ، فَإنَّا لاَ نَزَالُ غَالِبيْنَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانَكُمْ) فجاءَتْ قريشُ وعلى مَيْمَنَتِهِمْ خالدُ بن الوليدِ وعلى ميسرتِهم عكرمةُ بنُ أبي جهلٍ ومعهم النساءُ يضربنَ بالدُّفوفِ وَيَقُلْنَ الأشعارَ، وكانت هندُ تقول:
نَحْنُ بَنَاتُ طَارقْ   نَمْشِي عَلَى النَّمَارقْ
إنْ تَغْلِبُواْ نُعَانِقْ   أوْ تُدْبِرُواْ نُفَارقْ
فَرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ   
فحملَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه على المشركين فهزمُوهم، وقَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ طَلحةَ بْنَ أبي طلحةَ وهو يحملُ لواءَ المشركين، وأنزلَ اللهُ نصرَهُ على المؤمنين.

قال الزُّبَيْرُ: فرأيتُ هِنْداً وصواحباتِها هارباتٍ مُصْعَدَاتٍ في الجبلِ، فلما نَظَرَتِ الرُّماةُ إلى القومِ قد انكشفُوا ورَأوا أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ينتهبونَ الغنيمةَ؛ أقبلُوا يريدون النَّهْبَ واختلفُوا فيما بينَهم، فقالَ بعضُهم: لا نتركُ أمرَ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقال بعضُهم: ما بقيَ في الأمرِ شيءٌ. ثم انطلقَ عامَّتهم ولَحِقُوا بالعسكرِ، فلما رأى خالدُ بن الوليدِ قلَّةَ الرُّماةِ واشتغالَ المسلمين بالغنيمةِ؛ صاحَ في المشركين ثم حَمَلَ على أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن خَلْفِهِمْ فهزمُوهم وقتلُوهم، ورمَى عبدُالله بن قَمِيئَةَ الحارثيُّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بحَجَرٍ فكسرَ أنفَهُ ورُبَاعِيَّتَهُ فشجَّهُ في وجههِ وأنفِه، وتفرَّقَ عنه أصحابُه صلى الله عليه وسلم.

" وكان مصعبُ بن عُمير يَذُبُّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقُتِلَ، فَظَنَّ قاتلُه أنهُ قَتَلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فنادَى: قتلتُ مُحَمَّداً، وأقبلَ عبدُالله بن قَمِيئَةَ يريدُ قَتْلَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ وقال: إنِّي قتلتُ مُحَمَّداً؛ وصرخَ إبليسُ لَعَنَهُ اللهُ: ألاَ إنَّ مُحَمَّداً قد قُتِلَ. وانْكَفَأَ الناسُ عنه، وجعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدعُو الناسَ: " إلَيَّ عِبَادَ اللهِ؛ إلَيَّ عِبَادَ اللهِ " فاجتمعَ إليه ثلاثونَ رجُلاً فَحَمَوْهُ وكشَفُوا المشركينَ عنه، وأصيبَت يدُ طلحةَ بنِ عبدِالله فَيَبسَتْ وبها كان يَقِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأصيبَت عَيْنَيّ قتادةَ بن النُّعمان حتى وَقَعَتْ على وَجْنَتِهِ؛ فردَّها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مكانَها فعادت أحسنَ ما كانت.

فلما انصرفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أدركَهُ أبَيُّ بنُ خَلَفِ الجمحيِّ وهو يقولُ: لا نَجوتُ إنْ نَجَا، فقال القومُ: ألاَ يعطفُ عليه رجلٌ منَّا يا رسولَ اللهِ؟! فقالَ: " دَعُوهُ ". حتى إذا دَنَا منهُ تناوَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْحَرْبَةَ من الْحَارثِ بن الصِّمَّةِ؛ ثم اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ وخَدَشَهُ خَدْشَةً فَتَدَهْدَهَ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ، وَهُوَ يَقُولُ: قَتَلَنِي مُحَمَّدٌ، وحملَهُ أصحابُه وقالوا لَهُ: ليسَ عليك بأْسٌ، قَالَ: لو كانت هذه الطعنةُ برَبيْعَةَ وَمُضَرَ لَقَتَلَتْهُمْ، أليسَ قالَ: " أقْتُلُكَ ": فلو بَزَقَ عَلَيَّ بَعْدَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ قَتَلَنِي، فَلَمْ يَلْبَثْ إلاَّ يَوْماً حَتَّى مَاتَ ".


السابقالتالي
2 3