الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ }

{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ } أي اليهود خاصة لا على من عداهم من الأولين والآخرين { حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ } أي ما ليس منفرج الأصابع كالإبل والنعام والأوز والبط قاله ابن عباس وابن جبير وقتادة ومجاهد والسدي، وعن ابن زيد أنه الإبل فقط، وقال الجبائي: يدخل فيه كل السباع والكلام والسنانير وما يصطاد بظفره، وعن القتبـي والبلخي أنه ذو المخلب من الطير وذو الحافر من الدواب وسمي الحافر ظفراً مجازاً. واستبعد ذلك الإمام، ولعل المسبب عن الظلم هو تعميم التحريم لأن البعض كان حراماً قبله. ويحتمل أن يراد كل ذي ظفر حلال بقرينة { حَرَّمْنَا } وهذا ـ كما قيل ـ تحقيق لما سلف من حصر المحرمات فيما فصل بإبطال ما يخالفه من فرية اليهود وتكذيبهم في ذلك فإنهم كانوا يقولون: لسنا أول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعدهما عليهما السلام حتى انتهى التحريم إلينا، وقال بعض المحققين: إن ذلك تتميم لما قبله لأن فيه رفع أنه تعالى حرم على اليهود جميع هذه الأمور فكذلك حرم البحيرة والسائبة ونحوهما بأن ذلك كان على اليهود خاصة غضباً عليهم. وقرأ الحسن { ظفر } بكسر الظاء وسكون الفاء. وقرأ أبو السماك بكسرهما. وقرىء كما قال أبو البقاء { ظفر } بضم الظاء وسكون الفاء.

{ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } لا لحومهما فإنها باقية على الحل، والمراد بالشحوم ما يكون على الأمعاء والكرش من الشحم الرقيق وشحوم الكلى، وقيل: هو عام استثني منه ما سيأتي. و { مِنْ ٱلْبَقَرِ } متعلق بحرمنا بعده وكان يكفي حينئذ أن يقال: الشحوم لكنه أضيف لزيادة الربط والتأكيد كما يقال: أخذت من زيد ماله وهو متعارف في كلامهم، وجوز أبو البقاء ـ وظاهر صنيعه اختياره مع أنه خلاف الظاهر ـ أن { مِنْ ٱلْبَقَرِ } عطف على { كُلَّ ذِى ظُفُرٍ } على معنى وبعض البقر وجعل { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } تبييناً للمحرم من ذلك وحينئذ الإضافة للربط المحتاج إليه.

{ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا } أي ما علق بظهورهما. والاستثناء منقطع أو متصل من الشحوم. وإلى الانقطاع ذهب الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه فقد نقل عنه لو حلف لا يأكل شحماً يحنث بشحم البطن فقط. وخالفه في ذلك صاحباه فقالا يحنث بشحم الظهر أيضاً لأنه شحم وفيه خاصية الذوب بالنار. وأيد ذلك بهذا الاستثناء بناء على أن الأصل فيه الاتصال. وللإمام رضي الله تعالى عنه أنه لحم حقيقة لأنه ينشأ من الدم ويستعمل كاللحم في اتخاذ الطعام والقلايا ويؤكل كاللحم ولا يفعل ذلك بالشحم ولهذا يحنث بأكله لو حلف لا يأكل لحماً وبائعه يسمى لحاماً لا شحاماً.

السابقالتالي
2 3 4