{ فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } خبر آخر لـ { ذٰلِكُمْ } أو مبتدأ خبره. { جَعَلَ لَكُمُ } وقرىء بالجر على البدل من الضمير أو الوصف لإلى الله. { مّنْ أَنفُسِكُمْ } من جنسكم. { أَزْوٰجاً } نساء. { وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ أَزْوٰجاً } أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً، أو خلق لكم منَّ الأنعام أصنافاً أو ذكوراً وأناثاً. { يَذْرَؤُكُمْ } يكثركم من الذرء وهو البث وفي معناه الذر والذرو والضمير على الأول للناس، و { ٱلأَنْعَـٰمِ } على تغليب المخاطبين العقلاء. { فِيهِ } في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجاً يكون بينهم توالد، فإنه كالمنبع للبث والتكثير. { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } أي ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه، والمراد من مثله ذاته كما في قولهم: مثلك لا يفعل كذا، على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى، ونظيره قول رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب: أَلاَ وَفِيهِمْ الطَّيِّبُ الطَاهِرُ لِذَاتِهِ. ومن قال الكاف فيه زائدة لعله عنى أنه يعطى معنى { لَّيْسَ مّثْلِهِ } غير أنه آكد لما ذكرناه. وقيل «مثله» صفته أي ليس كصفته صفة. { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } لكل ما يسمع ويبصر. { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } خزائنها. { يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ } يوسع ويضيق على وقف مشيئته. { إِنَّهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } فيفعله على ما ينبغي. { شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومن بينهما من أرباب الشرائع، وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله: { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ } وهو الإِيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله ومحله النصب على البدل من مفعول { شَرَعَ } ، أو الرفع على الاستئناف كأنه جواب وما ذلك المشروع أو الجر على البدل من هاء به. { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } ولا تختلفوا في هذا الأصل أما فروع الشرائع مختلفة كما قال:{ لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } [المائدة: 48] { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ } عظم عليهم. { مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } من التوحيد. { ٱللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ } يجتلب إليه والضمير لما تدعوهم أو للدين. { وَيَهْدِى إِلَيْهِ } بالإِشارة والتوفيق. { مَن يُنِيبُ } يقبل إليه. { وَمَا تَفَرَّقُواْ } يعني الأمم السالفة. وقيل أهل الكتاب لقوله:{ وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } [البينة: 4] { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ ٱلعِلْمُ } العلم بأن التفرق ضلال متوعد عليه، أو العلم بمبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام، أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها. { بَغْياً بَيْنَهُمْ } عداوة أو طلباً للدنيا.