الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

إنّ من الأزواج أزواجاً يعادين بعولتهنّ ويخاصمنهم ويجلبن عليهم، ومن الأولاد أولاداً يعادون آبائهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى { فَٱحْذَرُوهُمْ } الضمير للعدوّ أو للأزواج والأولاد جميعاً، أي لما علمتم أنّ هؤلاء لا يخلون من عدوّ، فكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم { وَإِن تَعْفُواْ } عنهم إذا اطلعتم منهم على عداوة ولم تقابلوهم بمثلها، فإن الله يغفر لكم ذنوبكم ويكفر عنكم. وقيل إنّ ناساً أرادوا الهجرة عن مكة، فثبطهم أزواجهم وأولادهم وقالوا تنطلقون وتضيعوننا فرقوا لهم ووقفوا، فلما هاجروا بعد ذلك ورأوا الذين سبقوهم قد فقهوا في الدين أرادوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم، فزين لهم العفو. وقيل قالوا لهم أين تذهبون وتدعون بلدكم وعشيرتكم وأموالكم، فغضبوا عليهم وقالوا لئن جمعنا الله في دار الهجرة لم نصبكم بخير، فلما هاجروا منعوهم الخير، فحثوا أن يعفوا عنهم ويردّوا إليهم البر والصلة. وقيل كان عوف بن مالك الأشجعي ذا أهل وولد، فإذا أراد أن يغزو أو تعلقوا به وبكوا إليه ورققوه، فكأنه همّ بأذاهم، فنزلت. { فِتْنَةٌ } بلاء ومحنة، لأنهم يوقعون في الإثم والعقوبة، ولا بلاء أعظم منهما ألا ترى إلى قوله { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } وفي الحديث 1190 " يؤتى برجل يوم القيامة فيقال أكل عياله حسناته " وعن بعض السلف العيال سوس الطاعات. وعن النبي صلى الله عليه وسلم 1191 " أنه كان يخطب، فجاء الحسن، والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل إليهما فأخذهما ووضعهما في حجره على المنبر فقال «صدق الله { إِنَّمَا أَمْوٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ } رأيت هذين الصبيين فلم أصبر عنهما " ثم أخذ في خطبته. وقيل إذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتنكم الميل إلى الأموال والأولاد عنهما.