الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ }

قوله: { رَفِيعُ }: فيه وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ مبتدأً والخبرُ " ذو العرشِ " ، و " يُلْقي الروحَ " / يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأن يكونَ حالاً، ويجوزُ أَنْ تكونَ الثلاثةُ أخباراً لمبتدأ محذوفٍ. ويجوزُ أَنْ تكونَ الثلاثةُ أخباراً لقولِه: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ }. قال الزمخشري: " ثلاثةُ أخبارٍ يجوزُ أَنْ تكونَ مترتبةً على قولِه: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } ، أو أخبارَ مبتدأ محذوفٍ وهي مختلفةٌ تعريفاً وتنكيراً ". قلت: أمَّا الأولُ ففيه طولُ الفَصْلِ وتعدُّدُ الأخبارِ، وليسَتْ في معنى خبرٍ واحدٍ. وأمَّا الثاني ففيه تَعدُّدُ الأخبارِ وليسَتْ في معنى خبرٍ واحدٍ، وهي مسألةُ خلافٍ. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ " ذو العرش " صفةً لـ " رفيعُ الدرجاتِ " إنْ جَعَلْناه صفةً مشبهةً، أمَّا إذا جَعَلْناه مثالَ مبالغةٍ، أي: يرفع درجاتِ المؤمنين، فيجوزُ ذلك على أَنْ تُجْعَلَ إضافتُه مَحْضَةً، وكذلك عند مَنْ يُجَوِّزُ تمحُّضَ إضافةِ الصفةِ المشبهة أيضاً، وقد تقدَّمَ.

وقُرِئ " رفيعَ " بالنصبِ على المدح، و " مِنْ أَمْرِه " متعلِّقٌ بـ " يُلْقِي " و " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ. ويجوزُ أَن يكونَ متعلِّقاً بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " الروح ".

قوله: " لِيُنْذِرَ " العامَّةُ على بنائِه للفاعلِ، ونصبِ اليوم. والفاعلُ هو اللَّهُ تعالى أو الروح أو مَنْ يشاء أو الرسول. ونَصْبُ اليوم: إمَّا على الظرفيَّةِ. والمُنْذَرُ به محذوفٌ تقديرُه: ليُنْذِرَ بالعذابِ يومَ التَّلاق، وإمَّا على المفعول به اتِّساعاً في الظرفِ.

وقرأ أُبَيٌّ وجماعةٌ كذلك، إلاَّ أنه رَفَع اليوم على الفاعليَّةِ مجازاً أي: ليُنْذِر الناسَ العذابَ يومُ التلاق. وقرأ الحسن واليمانيُّ " لِتُنْذِرَ " بالتاءِ من فوقُ. وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّ الفاعلَ ضميرُ المخاطبِ، وهو الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم. والثاني: أنَّ الفاعلَ ضميرُ الروحِ فإنَّها مؤنثةٌ على رَأْيٍ. وقرأ اليمانيُّ أيضاً " لِيُنْذَرَ " مبنياً للمفعول، " يومُ " بالرفعِ، وهي تُؤَيِّدُ نصبَه في قراءةِ الجمهورِ على المفعولِ به اتِّساعاً.

وأثبت ياءَ " التلاقي " وَصْلاً ووَقْفاً ابن كثير وأَثْبَتها في الوقف دونَ الوصل - مِنْ غير خِلافٍ - ورشٌ، وحَذَفها الباقون وَصْلاً ووقفاً، إلاَّ قالونَ فإنه رُوِيَ عنه وجهان: وجهٌ كورش، ووجهٌ كالباقين، وكذلك هذا الخلافُ بعينِه جارٍ فييَوْمَ ٱلتَّنَادِ } [غافر: 32]. وقد تقدَّم توجيهُ هذَيْن الوجهَيْن في الرعد في قولِه:ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } [الرعد: 9].