الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } * { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } * { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }

قوله تعالى { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } اى الذين يتخردلون بهمومهم الصافية عن غبار الخليفة يتقلبون فى جنان القربة ويعيشون بنسيم الوصلة ويشربون من عيون المعرفة شراب المحبة { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } اى من لطائف المقامات وغرائب الدرجات فى الدنيا لهم الكرامات وفى الأخرة لهم المداناة ثم ذكر سبب وصولهم اليها فقال { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } اى باذلين وجودهم لله شوقا الى الله ثم زاد فى وصفهم بانهم باتوا فى ظلم الليالى لتفقد الواردات وطلب المكاشفة بقوله { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } يهجدون فى اجواف الليالى بطيب مناجاتهم وحلاوة مراقباتهم ولذة انبساطهم وعربدتهم على بساط الاحتشام حيث يسمعون لطائف الالهام والخطاب والكلام فيا لها من عبراتهم ويا لها من زفراتهم ويا لها من شهقاتهم ويا لها من لذة تلفظهم بالشطحيات وغرائب الكلمات الإلهيات وهذا من كمال عشقهم وغلبات محبتهم وشوقهم لا يقدرون ان يناموا فى مضاجعهم من لذة الانس بالله ووجدان قرة عيونهم من نور مشاهدته حيث قال فى وصفهم فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين اين انت يا صاحبى من سقوطهم وتمرغهم فى التراب لو رايت عيونهم الباكية لترى فيها دمار اكبادهم الله يعمل اسرارهم حيث هيجهم بشوقه وعشقه الى قربه حتى لم يناموا على فرشهم مثل البطالين والغافلين وانشد
نهارى نهار الناس حتى اذا بدا   الى الليل هزتنى اليك المضاجع
أقضي نهارى بالحديث وبالمنى   ويجمعنى والهم بالليل جامع
ثم وصفهم الله بأنهم مستغفرون بالاسحار وذلك انهم اذا رجعوا من مقام المشاهدة الى مقام المراقبة يستغفرون الله من الزلات والخطرات قبل المداناة وعند المكاشفات من المعارضات بقوله { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ثم زاد فى وصفهم انهم بذلوا مالهم فى سبيل الله لمن سأل منهم ولمن لم يسأل بقوله { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } قال سهل المتقى فى الدنيا فى جنات الرضا يتقلب وفى عيون الانس يسبح وقال فى قوله كانوا قليلا من الليل ما يهجعون لا يغفلون عن الذكر فى حال وقال بعضهم ذاقوا حلاوة الانس فى الذكر فتهجدوا وهجروا النوم وقاموا اناء الليل النهار طالبين مرضاته متطلعين الى ما يرد عليهم من زوايد مناجاته وفوايده وقال الاستاذ الليل اما للاحباب فى انس المناجاة واما للعصاة فى طلب النجاة والسهر لهم فى لياليهم دائم اما لفرط اسف ولشدة لهف واما للاشتياق والفراق كما قالوا
كم ليلة فيك لا صباح لها   أفنيتها قابضا على كبدى
وقد غصت العين بالدموع وقد   وضعت خدى على بنان يديى
واما لكمال انس وطيب روح كما قالوا
سقى الله عيشا قصيرا مضى   زمان الصبا فى الهوى والمحون
لياليه يحكى انسداد اللحاظ   للعين عند ارتداد الجفون
وقال بعضهم السائل المفضح والمحروم المتعرض وقال الاستاذ السائل المتكفف والمحروم المتعفف.