الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

الإشارة في قوله تعالى: { فَلِذَلِكَ.. } [الشورى: 15] إشارة للكلام السابق، فلأنهم تفرقوا واختلفوا وكتموا الكتاب وحرفوه، ما داموا فعلوا ذلك، فقُمْ أنت بمهمة الدعوة لتصلح ما أفسد هؤلاء، وتقيم ميزان الحياة بالحق وبالعدل، وترد هؤلاء عَمَّا هم فيه. ولاحظ هنا أن التعبير يجمع بين القول والعمل { فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ.. } [الشورى: 15] يعني: ليكُنْ قولك موافقاً لحركتك، كما قال في موضع آخر:إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ.. } [فصلت: 30]. وسبق أنْ قلنا: إن الخط المستقيم هو أقرب طريق بين نقطتين، فاستقم يعني كُنْ على الجادة وعلى الطريق السَّويِّ، وقد سمَّاه القرآن الصراطَ المستقيم وسمَّاه سواء السبيل وهو الذي يُوصِّلك إلى غايتك من أقرب طريق. فكأن الحق سبحانه حينما يأمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بذلك إنما يقول له: استقم، لأن استقامتك على المنهج الذي جئتَ به أدْعَى إلى القبول وإلى تصديقك والاستماع لك. ومعلومٌ أن التعليم والنصح بالعمل أجْدَى وأنفع من الكلام النظري لذلك لما سأل أحد الصحابة رسول الله فقال: يا رسول الله، قُلْ لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك قال له: " قُلْ آمنتُ بالله ثم استقم ". وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم. وبعد أنْ أمره ربُّه بالاستقامة على منهج الحق نهاه عن اتباع أهواء القوم: { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ.. } [الشورى: 15] فالهوى سبيل الاختلاف والتفرق، ومن هذه الأهواء قولهم لرسول الله: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، وفيها نزلت سورة الكافرون: { وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ.. } [الشورى: 15] كتاب هنا نكرة أفادتْ الشمول، يعني: آمنتُ بكل كتاب أنزله الله من قبل. وكأنها رسالة إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى: لماذا آمنتم بالديانات السابقة عليكم، ولم تؤمنوا برسالة محمد، وهي ديانة كباقي الديانات، إذن: لكم سوابق في الإيمان، فلماذا وقفتم عند رسالتي وكذبتم؟ كذَّبوا لأن عندهم مسائل يجادلون بها الضعاف من المسلمين. مثلاً يقولون لهم: ديننا أقدم من دينكم، وكتابنا أقدم من كتابكم، ورسولنا أقدم من رسولكم، وقرآنكم يشهد لنا، ألم يقل القرآن:يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة: 122] فنحن إذن مُفضلون على العالمين بشهادة القرآن. والأفضلية هنا ليستْ على إطلاقها، بل هي مُقيدة بزمانهم. يعني: فضلتكم على العالمين من أهل زمانكم، وإلا كانوا أفضل من إبراهيم وإسحاق، وهم لا يقولون بذلك. وقوله تعالى: { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ.. } [الشورى: 15] العدل أنْ تزن بميزان غير جائر، فكل واحد منهم يأخذ حقه، وأنْ يكون الجميع أمامك سواسية، فمثلاً لا تَنْهَ واحداً وتترك الآخر، ولا تفضل أحداً على أحد في مرآك ولا في مجلسك ولا في نظرك.

السابقالتالي
2