الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } * { يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

المعنى { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } من اليهود والنصارى { قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا } محمد صلى الله عليه وسلم { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } أى يظهر لكم كثيراً من الأحكام والمسائل التى ذكرتها كتبكم وكتمتموها عن الناس، كإخفائكم صفة النبى صلى الله عليه وسلم التى تجدونها فى التوراة والإِنجيل وكتمانكم ما جاء فيها من بشارات تبشر به. وغير ذلك من الأحكام التى أخفاها علماؤكم عن العامة، وتولى الرسول صلى الله عليه وسلم إعلانها إظهاراً للحق، ووضعا للأمور فى نصابها. وقوله { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } أى يعرض ولا يظهر كثيراً مما كنتم تخفونه، لأنه لا ضرورة تدعو إلى بيانه، ولا فائدة تعود على الناس من وراء إظهاره، ففى السكوت عنه رحمة بكم، وصيانة لكم عن الافتضاح والمؤاخذة. يقال عفا عن المذنب، أى ستر عنه ذنبه فلم يعاقبه عليه. والمراد بالكتاب فى قوله { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } جنس الكتب، فيشمل التوراة والإِنجيل. وفى ندائهم بهذا الوصف حمل لهم على الدخول فى الإِسلام فإن علمهم بما فى كتبهم من بشارات بالرسول صلى الله عليه ولم يدعوهم إلى الإِيمان به. فإذا لم يؤمنوا به مع علمهم بأنه رسول صادق فى رسالته كانت مذمتهم أشد وأقبح، وكان عقابهم على كتمانهم الحق أعظم وأقسى. وكان التعبير بقوله - تعالى - { قَدْ جَآءَكُمْ } للإِشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم قد وصل إليهم، ويعيش بينهم، فهم يرونه ويراهم ويخاطبهم ويخاطبونه، ليسمعوا منه ما يشهد بصدقه بدون حجاب أو وساطة. وفى التعبير بقوله - تعالى - { رَسُولُنَا } تشريف للرسول صلى الله عليه وسلم حيث أضافه - سبحانه - إلى ذاته، وفيه كذلك إيذان بوجوب اتباعه لأنه رسول مبلغ عن الله - تعالى - ما يأمره بتبليغه بدون تغيير أو تبديل. والمراد بالكتاب فى قوله { تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } التوراة والإِنجيل. فقد امتدت أيدى اليهود والنصارى إلى هذين الكتابين فغيروا وبدلوا فيهما على حسب ما تمليه عليهم أهواؤهم وشهواتهم. وفى إظهار الرسول صلى الله عليه وسلم للكثير مما كتموه، وعفوه عن الكثير مما أخفوه، معجزة له، لأنه لم يقرأ كتابا، ولم يجلس أمام معلم، فإخباره بأسرار ما فى كتبهم إخبار عن أمور مغيبة، فيكون معجزة له تحملهم على الإِيمان به فيما يدعوهم إليه. ثم مدح الله - تعالى - رسوله، وما جاء به من الخير والهدى فقال { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }. والمراد بالنور هنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو نور الأنوار - كما يقول الآلوسى. والمراد بالكتاب القرآن الكريم الذى أنزله - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم والجملة الكريمة مستأنفة مسووقة لبيان أن فائدة مجىء الرسول صلى الله عليه وسلم ليست منحصرة فيما ذكر من بيان ما كانوا يخفونه، بل له منافع أخرى لا تحصى.

السابقالتالي
2 3