الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

اعلم أنه تعالى لما بين فساد ما يقول الكفار أن الله حرم علينا كذا وكذا، أردفه تعالى ببيان الأشياء التي حرمها عليهم، وهي الأشياء المذكورة في هذه الآية، وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال صاحب «الكشاف»: «تعال» من الخاص الذي صار عاماً، وأصله أن يقوله من كان في مكان عالٍ لمن هو أسفل منه، ثم كثر وعم، وما في قوله: { مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } منصوب، وفي ناصبه وجهان: الأول: أنه منصوب بقوله: { ٱتْلُ } والتقدير: أتل الذي حرمه عليكم، والثاني: أنه منصوب بحرم، والتقدير: أتل الأشياء التي حرم عليكم. فإن قيل: قوله: { ألاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } كالتفصيل لما أجمله في قوله: { مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } وهذا باطل، لأن ترك الشرك والإحسان بالوالدين واجب، لا محرم. والجواب من وجوه: الأول: أن المراد من التحريم أن يجعل له حريماً معيناً، وذلك بأن بينه بياناً مضبوطاً معيناً، فقوله: { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } معناه: أتل عليكم ما بينه بياناً شافياً بحيث يجعل له حريماً معيناً، وعلى هذا التقرير فالسؤال زائل، والثاني: أن الكلام تم وانقطع عند قوله { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } ثم ابتدأ فقال: { عَلَيْكُمْ أَن لا تُشْرِكُواْ } كما يقال: عليكم السلام، أو أن الكلام تم وانقطع عند قوله: { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } ثم ابتدأ فقال: { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } بمعنى لئلا تشركوا، والتقدير: أتل ما حرم ربكم عليكم لئلا تشركوا به شيئاً. الثالث: أن تكون «أن» في قوله: { أَن لا تُشْرِكُواْ } مفسرة بمعنى: أي، وتقدير الآية: أتل ما حرم ربكم عليكم، أي لا تشركوا، أي ذلك التحريم هو قوله: { لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }. فإن قيل: فقوله: { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } معطوف على قوله: { أَن لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } فوجب أن يكون قوله: { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } مفسراً لقوله: { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } فيلزم أن يكون الإحسان بالوالدين حراماً، وهو باطل. قلنا: لما أوجب الإحسان إليهما، فقد حرم الإساءة إليهما. المسألة الثانية: أنه تعالى أوجب في هذه الآية أمور خمسة: أولها: قوله: { أَن لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }. واعلم أنه تعالى قد شرح فرق المشركين في هذه السورة على أحسن الوجوه، وذلك لأن طائفة من المشركين يجعلون الأصنام شركاء لله تعالى، وإليهم الإشارة بقوله حكاية عن إبراهيموَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ لأَبِيهِ ءازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءالِهَةً إِنّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 74]. والطائفة الثانية: من المشركين عبدة الكواكب، وهم الذين حكى الله عنهم، أن إبراهيم عليه السلام أبطل قولهم بقوله:لا أُحِبُّ ٱلأَفِلِينَ } [الأنعام: 76].

السابقالتالي
2 3