الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

لما بيَّن - تبارك وتعالى - فَسَادَ قَوْل الكُفَّار: " إنَّ الله حرَّم علينا كَذَا وكَذَا " أردَفَه بِبَيَان الأشْيَاءِ التي حرَّمها عليهم.

قال الزَّمَخْشَرِي: " تعال " من الخَاصِّ الذي صار عَامّاً، وأصله أن يقوله من كان في مكانٍ عال لِمَن هو أسْفل منه، ثم كَثُر وَعمَّ.

قال القرطبي: " وقوله تعالى: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ } أي: تقدَّمُوا واقْرَءُوا حقّاً يقيناً؛ كما أوْحَى إليَّ رَبِّي، لا ظنّاً ولا كَذِباً كما زعمتم، ثم بيَّن بعد ذلك فقال: { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } ، يقال للرِّجُل: تعال: أي: تقدّم: ويقال للمرأة: تعالي، ويقال للاثْنَتَيْن والاثْنَيْن: تَعَالَيَا، ولجماعة الرِّجَال: تعالَوْا, ولجماعة النِّسَاء: تَعَالَيْن؛ قال الله - تبارك وتعالى -:فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } [الأحزاب:28].

وجعلوا التَّقَدُّم ضرباً من التَّعَاليِ والارتفاع؛ لأنَّ المأمُور بالتقدّم في أصْل وضْعِ هذا الفِعْل، كأنه كان قَاعِداً فقيل له تَعَالَ، أي: ارفع شخْصَك بالقِيَام وتقدم؛ ثم اتَّسَعُوا فيه حتى جَعَلُوه للوَاقِفِ والمَاشِي؛ قال الشَّجَريّ.

قوله: { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } في [ " ما " ] هذه ثلاثة أوجُه:

أظهرها: أنها مَوْصُولةٌ بمعنى " الَّذِي " والعَائِد مَحْذُوفٌ، أي: الذي حَرَّمَه، والموْصُول في محلِّ نصْبٍ مَفْعُولاً به.

الثاني: أن تكون مَصْدَريَّة، أي: أتْل تَحْريم ربِّكُم، ونفس التَّحْرِيم لا يُتْلَى، وإنما هو مَصْدرٌ واقعٌ موقع المَفْعُول به، أي: أتلُ مُحَرَّمَ ربِّكم الذي حرَّمه هو.

والثالث: أنها استِفْهَاميَّة، في محلِّ نَصْبٍ بـ " حَرَّم " بعدها، وهي مُعَلقة لـ " أتْلُ " والتَّقْدير: أتْل أيَّ شَيْءٍ حَرّم ربكم، وهذا ضعيف؛ لأنَّه لا تُعَلَّقُ إلاَّ أفْعَال القُلُوب وما حُمِل عليها.

فصل

قال القرطبي: هذه الآية أمْرٌ من الله - تعالى - لنبِيِّه - عليه السلام - بأن يَدْعُوَ جميع الخَلْقِ إلى سَمَاعِ تِلاوَة ما حرَّم الله - تبارك وتعالى -, وهكذا يَجِب على من بَعْدَه من العُلَمَاء أن يبَلِّغُوا النَّاس، ويُبَيِّنُوا لهم ما حُرِّمَ عليهم مما أحِلَّ؛ قال - تعالى -:لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران:187].

قال الر‍َّبيع بين خيثم لجَلِيس له: " أيَسُرُّك أن تَقْرَأ في صَحِيفَةٍ من النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يُفَكَّ كِتَابُها؟ قال: نعم، قال: فاقْرَءُوا: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } إلى آخر الثَّلاث آيَاتٍ ".

قال كعبُ الأحْبَار: وهذه السُّورة مفتتح التَّوْرَاةِ: بسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } الآية الكريمة.

وقال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: هذه الآيَاتُ المُحْكَمَاتُ التي ذكرها الله - تعالى - في سُورة " آل عمران " أجمعت عليها شرائِعُ الخَلْق، ولم تُنْسَخ قط في مِلَّةٍ، وقد قيل: إنَّها العَشْر كلمات المُنَزَّلة على مُوسَى - عليه الصلاة والسلام -.

السابقالتالي
2 3 4 5 6