الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ } إياكم بالنصر إذ وفيتم بشرطه، وهو التقوى والصبر، كما مر فى الآية، بل إن تصبروا وتتقوا. { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } تقتلون المشركين بمشيئته، وقدره وعلمه، قتلا كبيراً، وهو من قولك حسه إذا بطل حسه، فذلك قتل. كما يقال بطنه ورأسه، أى أصاب بطنه ورأسه، والباء للآلة المجازية متعلقة بتحس، أو للمصاحبة متعلقة به، أو بمحذوف والمحذوف حال من الواو، أى ملتبسين بإذنه. روى أنه كان أشد القتال يومئذ بحمزة، وعلى، وأبى دجانة وعاصم بن الأفلج، وغيرهم وداموا يقتلون الرماة يرشقون خيل المشركين بالنبل، والباقون يضربونهم بالسيف، فانهزموا وقتلوا كثيراً، قد مر بيانه، حتى خالفوا الشرط بانتقال الرماة، عن موضعهم، كما قال { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ } تكاسلتم عمداً عن القتال، ميلا إلى الغنيمة، لما رأيتم المشركين منهزمين، ونساءهم يهربن باديات السوق، يركبن على ذلول وصعب، أو حتى إذا ضعف رأيكم فملتم إلى الغنيمة، والحرص من ضعف الفعل، أو حتى إذا حرصتم فإن الحرص مسبب عن ضعف العقل وأصل الفشل الضعف. { وَتَنَازَعْتُمْ فِى الأَمْرِ } إذ قال بعض الرماة من مقامنا عن الغنم، وقد انهزم المشركون، وقال أميرهم نثبت، ولا نخالف أمره صلى الله عليه وسلم، فثبت أميرهم ونفر معه دون العشرة، فقتل المشركون من تبت إذ نفر الأكثر للنهب، كما قال { وَعَصَيْتُمْ } إذ نفرتم للنهب وخالفتم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبوت. { مِّنْ بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } من الظفر بالمشركين وانهزاهم فكان الدولة بعد فشلكم، وتنازعكم وعصيانكم للمشركين، فتحولت الريح دبورا، بعد ما كانت صباء، فرجعوا على المسلمين يقتلونهم لما رأوا اشتغالهم بالنهب، فانهزم المسلمون. قال محمد بن كعب القرظى لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أحد إلى المدينة قال ناس من الصحابة كيف أصابنا هذا؟ وقد وعدنا الله بالنصر؟ فأنزل الله جل وعلا { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ }.. الآية. وقيل انتقضت صفوف المسلمين فجعل بعضهم يضرب بعضاً، وما يشعرون بذلك من الدهش، وإنما صدر الفشل والعصيان والنزاع الذى لا يجوز من بعضهم فقط، مع هذا خوطبوا به عموماً سترا على من فعل ذلك، وزجراً لمن لم يفعل، عن أن يفعل وعن أن يسكت عن النهى والضبط. قيل " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على بغلته الشهباء، يدعو الله " اللهم اكفنا بما شئت " وقد ظهر لك معنى الآية مع إبقائها على ظاهرها، وجواب إذا محذوف، والتقدير انهزمتم، أو امتحنتم، أو منعكم نصره، وحكى عن الفراء فيها تقديماً وتأخيراً تقديره حتى إذا تنازعتم فى الأمر وعصيتم فشلتم، ولا يصح ذلك لأن جواب إذا لا يتقدم على شرطها، فيكون بينها وبين شرطها، ولأن الواو تمنع تنازعهم أن يكون شرطاً، ولعله إن صح هذا عنه، فإنما أراد أن الأصل أن يقال ذلك، وعدل عن ذلك لحكمة، أو قدر تأخير فشلتم مقروناً بالواو، فيكون أشار على أن العطف على فشلتم عطف سابق على لاحق، وما الأولى مصدرية، أى من بعد إرادته إياكم.

السابقالتالي
2 3