الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } أخرج الواحدي عن محمد بن كعب قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم / إلى المدينة، وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد، قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله تعالى النصر؟ فأنزل الله تعالى الآية، و { وَعْدَهُ } مفعول ثان لصدق صريحاً فإنه يتعدى إلى مفعولين في مثل هذا النحو، وقد يتعدى إلى الثاني بحرف الجر، فيقال: صدقت زيداً في الحديث، ومن هنا جوز بعضهم أن يكون نصباً بنزع الخافض؛ والمراد بهذا الوعد ما وعدهم سبحانه من النصر بقوله عز اسمه:إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } [آل عمران: 125] الخ وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال للرماة: " لا تبرحوا مكانكم فلن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم "

وفي رواية أخرى: " لا تبرحوا عن هذا المكان فإنا لا نزال غالبين ما دمتم في هذا المكان " وأيد الأول بما أخرجه البيهقي في «الدلائل» عن عروة قال: كان الله تعالى وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين وكان قد فعل فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا مصافهم وتركت الرماة عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم أن لا يبرحوا منازلهم وأرادوا الدنيا رفع الله تعالى مدد الملائكة، واختار مولانا شيخ الإسلام الثاني، وقد تقدم لك ما ينفعك هنا. والقول بأن المراد ما وعده جل شأنه بقوله سبحانه:سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } [آل عمران: 151] ليس بشيء كما لا يخفى، وأخرج الإمام أحمد وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما نصر الله تعالى نبيه في موطن كما نصره يوم أحد فأنكروا ذلك، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله تعالى إن الله تعالى يقول يوم أحد: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } أي تقتلونهم وهو التفسير المأثور، واستشهد عليه الحبر بقوله عتبة الليثي:
(نحسهم) بالبيض حتى كأننا   نفلق منهم بالجماجم حنظلا
وبقوله:
ومنا الذي لاقى بسيف محمد   (فحس) به الأعداء عرض العساكر
وأصل معنى حسه أصاب حاسته بآفة فأبطلها مثل كبده ولذا عبر به عن القتل، ومنه جراد محسوس وهو الذي قتله البرد، وقيل: هو الذي مسته النار، وكثيراً ما يستعمل الحس بالقتل على سبيل الاستئصال، والظرف متعلق بـ { صَدَقَكُمُ } وجوز أبو البقاء أن يكون ظرفاً للوعد { بِإِذْنِهِ } أي بتيسيره وتوفيقه، والتقييد به لتحقيق أن قتلهم بما وعدهم الله تعالى من النصر.

{ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } أي فزعتم وجبنتم عن عدوكم. { وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلأَمْرِ } أي أمر الحرب أو أمره صلى الله عليه وسلم لكم في سدّ ذلك الثغر على ما تقدم تفسيره { وَعَصَيْتُمْ } إذ لم تثبتوا هناك وملتم إلى الغنيمة { مّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } من انهزام المشركين وغلبتكم عليهم.

السابقالتالي
2 3