الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }

{ وَلَمَّا سَكَتَ } أي: سكن { عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ } أي: التي كان ألقاها من شدة الغضب فتكسرت { وَفِي نُسْخَتِهَا } أي: فيما نسخ منها، أي: كتب. و(النسخة) فعلة بمعنى مفعول، كالخطبة { هُدًى وَرَحْمَةٌ } بالشرائع والوصايا الربانية، المرشدة لما فيه الخير والصلاح { لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } أي: يخشون.

لطيفتان

الأولى: قال أبو السعود: في هذا النظم الكريم، يعني قوله تعالى: { وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } ، من البلاغة والمبالغة بتنزيل الغضب، الحامل له على ما صدر عنه من الفعل والقول، منزلة الآمر بذلك، المغري عليه، بالتحكم والتشديد، والتعبير، عن سكونه بالسكوت - ما لا يخفى. انتهى.

وأصله للزمخشري حيث قال: هذا مَثَلٌ، كأن الغضب كان يغريه على ما فعل، ويقول له: قل لقومك كذا، وألق الألواح، وجرّ برأس أخيك إليك، فترك النطق بذلك، وقطع الإغراء. ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم، وذوق صحيح إلا لذلك؛ ولأنه من قبيل شعب البلاغة. وإلا، فما لقراءة معاوية بن قرة " وَلَمَّا سَكَنَ عَن موسى الغضب " لا تجد النفس عندها شيئاً من تلك الهزة، وطرفاً من تلك الروعة؟ انتهى.

ومراده بالمثل كونه استعارة مكنية، حيث شبه الغضب بشخص آمرٍ ناهٍ، وأثبت له السكوت تخييلاً.

وعدَّ بعض أهل العربية الآية من المقلوب، أي من نمط قلب الحقيقة إلى المجاز، وكأن الأصل { وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } كما في خرق الثوب المسمار.

قال في (الانتصاف): والتحقيق أنه ليس منه، وأن هذا القلب أشرف وأفصح، لما فيه من المعنى البليغ، وهو أن الغضب كان متمكناً من موسى، حتى كأنه كان يصرفه في أوامره. ومثل هذه النكتة الحسناء، لا تلفى في (خرق الثوب المسمار). انتهى.

وقرئ سكن وسَكَّتَ وأسكت، أي: أسكته الله، أو أخوه باعتذاره إليه.

الثانية: اللام في (للذين) متعلقة بمحذوف، صفة (لرحمة)، أي: كائنة لهم. أو هي لام الأجل، أي: هدى ورحمة لأجلهم؛ واللام في (لربهم) لتقوية عمل الفعل المؤخر كما في قوله تعالى:إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43]، أو هي أيضاً لام العلة، والمفعول محذوف، أي: يرهبون المعاصي لأجل ربهم، لا للرياء والسمعة. أفاده أبو السعود.