الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ }

قوله تعالى: { أَن تَقُولُوۤاْ }: فيه وجهان أحدهما: أنه مفعول من أجله. قال الشيخ: " والعاملُ فيه " أنزلناه " مقدَّراً مدلولاً عليه بنفس " أنزلناه " الملفوظ به تقديره: أنزلناه أن تقولوا. قال: " ولا جائزٌ أن يعمل فيه " أنزلناه " الملفوظ به لئلا يلزمَ الفصلُ بين العامل ومعموله بأجنبي، وذلك أن " مبارك ": إمَّا صفة وإمَّا خبر وهو أجنبي بكل من التقديرين، وهذا الذي مَنَعَه هو ظاهر قول الكسائي والفراء. والثاني: أنها مفعول به، والعامل فيه " واتقوا " أي: واتقوا قولكم كيت وكيت، وقوله " لعلكم ترحمون " معترضٌ جارٍ مجرى التعليل، وعلى كونه مفعولاً من أجله يكون تقديرُه عند البصريين على حذف مضاف تقديره: كراهةَ أن تقولوا، وعند الكوفيين يكون تقديره: أن لا تقولوا كقوله:رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [النحل: 15] أي: أن لا تميد بكم وهذا مطَّردٌ عندهم في هذا النحوِ، وقد تقدَّم ذلك غيرَ مرة. وقرأ الجمهور " تقولوا " بتاء الخطاب وقرأه ابن محيصن " يقولوا " بياء الغيبة.

قوله: { وَإِنْ كُنَّا } " إنْ " مخففةٌ من الثقيلة عند البصريين، وهي هنا مهملةٌ ولذلك وَلِيَتْها الجملة الفعلية، وقد تقدَّم تحقيق ذلك، وأن الكوفيين يجعلونها بمعنى " ما " النافية، واللام بمعنى إلا، والتقدير: ما كنا عن دراستهم إلا غافلين. وقال الزجاج بمثل ذلك، فنحا نحو الكوفيين. وقال قطرب: " إنْ " بمعنى قد واللام زائدة. وقال الزمخشري بعد أَنْ قَرَّر مذهب البصريين كما قدمته: " والأصل: إنَّه كنا عن عبادتهم " فقدَّر لها اسماً محذوفاً هو ضمير الشأن، كما يُقَدِّر النحويون ذلك في " أَنْ " بالفتح إذا خُفِّفَتْ، وهذا مخالف لنصوصهم وذلك أنهم نصُّوا على أنَّ " إنْ " بالكسر إذا خُفِّفت ولِيَتْها الجملة الفعلية الناسخة فلا عَمل لها لا في ظاهر ولا مضمر. و " عن دراستهم " متعلق بخبر " كنا " وهو " غافلين " ، وفيه دلالة على بطلان مذهب الكوفيين في زعمهم أن اللام بمعنى إلا، ولا يجوز أن يعمل ما بعد " إلا " فيما قبلها فكذلك ما هو بمعناها.

قال الشيخ: " ولهم أن يجعلوا " عنها " متعلقاً بمحذوف ". وتقدَّم أيضاً خلاف أبي علي في أن هذه اللام ليست لامَ الابتداء بل لامٌ أخرى، " ويدل أيضاً على أن اللام لام ابتداء لزمت للفرق فجاز أن يتقدَّم معمولُها عليها لمَّا وقعت في غير ما هو لها أصل، كما جاز ذلك في: " إنَّ زيداً طعامَك لآكل " حيث وقعت في غير ما هو لها أصلٌ، ولم يَجُز ذلك فيها إذا وقعت فيما هو لها أصل وهو دخولها على المبتدأ ". وقال أبو البقاء: " واللام في " لغافلين " عوض أو فارقة بين إنْ وما " قلت: قوله " عوض " عبارة غريبة، وأكثر ما يقال إنها عوضٌ عن التشديد الذي ذهب من إنَّ، وليس بشيء.