الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }

ونلحظ أن هذه الآية تضم طلبات جديدة لسيدنا موسى من ربّه بعد قوله: { فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا }. ونرى أن خير الغافرين تعود لقول موسى - عليه السلام -: { فَٱغْفِرْ لَنَا } أما الحسنة في قوله: { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } فإنها تعود على طلب الرحمة: { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ }. هو إذن يطلب الحسنة في الدنيا وكذلك في الآخرة، والحسنة لها معنى " لغوي " ، ومعنى " شرعي ". أما المعنى اللغوي فكل ما يستحسنه الإِنسان يُسمى حسنة، ولكن الحسنة الشرعية هي ما حسنه الشرع، فالشرع رقيب على كل فعل من أفعالنا وتصرفاتنا، فالحسنة ليست ما يستحسنه الإِنسان لأن الإِنسان قد يستحسن المعصية، وهذا استحسان بشري بعيد عن المنهج، أما الاستحسان الشرعي فهو في تنفيذ المنهج بـ " افعل " و " لا تفعل ". والحسنة المعتبرة في عرف المكلفين من الله هي الحسنة الشرعية لأن الإِنسان قد يستحسن شيئاً وهو غير شرعي لأنه ينظر إلى عاجلية النفع فيه، ولا ينظر إلى آجلية النفع، ولا ينظر إلى كمية النافع. والنفع - كما نعلم - في الدنيا على قدر تصورك في النفع، أما النفع في الآخرة فلا يعلم قدره إلا علاّم الغيوب - سبحانه - إذن فقوله: { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } يكون المراد بها الحسنة الشرعية في الدنيا عملاً، وفي الآخرة جزاءً. ونلحظ أن موسى أراد بالحسنة الأولى ما يعم الحسنة الشرعية والحسنة اللغوية فهو دعاء بالعافية والنعم الجليلة الطيّبة، وكل خير الدنيا في ضوء منهج الله. والحق سبحانه وتعالى يقول:قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ.. } [الأعراف: 32]. إذن فالحسنة الخالصة هي في يوم القيامة، ولكن هناك من ينتفع بها في الدنيا فالجماد منتفع برحمة الله، والنبات منتفع برحمة الله، والحيوان منتفع برحمة الله، والكافر منتفع برحمة الله. كل ذلك في الدنيا، وهي الرحمة التي وسعت كل شيء، لكن مسألة الآخرة كجزاء على الإِحسان فهو جزاء خاص بالمؤمنين. ويتابع الحق على لسان موسى عليه السلام: { إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ }. و " هاد " أي رجع، و " هدنا إليك " أي رجعنا إليك، وهذا كلام موسى عن نفسه وعن أخيه، وعن القوم الذين عبدوا العجل ثم تابوا، وما دمنا قد رجعنا إليك يا ربي فأنت أكرم من أن تردنا خائبين. ويرد الحق سبحانه: { قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 156]. وقوله الحق: { عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ } أي لا يوجد من يدفعني ويرشدني في توجيه العذاب لأحد فحين يذنب عبد ذنباً أنا أعذبه أو أغفر له لذلك لا يقولن عبد لمذنب إن الله لا بد أن يعذبه لأنه سبحانه هو القائل: { عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.

السابقالتالي
2