الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } قرأ عليّ عليه السلام وحمزة والكسائي: " فارقوا " بزيادة ألف. وقرأ باقي القُرَّاء السَّبعة: " فرّقوا " بتشديد الرَّاء من غير ألف.

وفي المشار إليهم ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم أهل الضلالة من هذه الأمة. قاله أبو هريرة.

فعلى هذا؛ معنى " فارقوا دينهم ": باينوه وتركوه جانباً واتبعوا أهواءهم.

ومعنى " فرقوا دينهم ": آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه؛ كالمعتزلة والرافضة، فإنهم آمنوا بكثير مما جاءهم به النبي وكفروا بكثير منه، فإنهم لا يؤمنون بكثير من أحوال الآخرة، كعذاب القبر، وإخراج المؤمنين من النار بالشفاعة، والنظر إلى وجه الله تعالى في الجنة.

ويجوز أن يكون معنى: " فرقوا دينهم ": صاروا أشياعاً وفرقاً.

القول الثاني: إنهم أهل الكتاب. قاله ابن عباس والضحاك وقتادة ومجاهد. فالمعنى: فارقوا دينهم الذي جاءهم به موسى وعيسى.

ومعنى " فرّقوا دينهم ": صاروا فرقاً وشيعاً، أو هو إيمانهم بالبعض وكفرهم بالبعض.

أخبرنا الشيخ أبو طاهر إسماعيل بن ظفر بن أحمد النابلسي سنة أربع وستمائة، أخبرنا القاضي أبو المكارم أحمد بن محمد بن محمد بن اللبان العدل بأصبهان، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد الحداد، أخبرنا الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري، قال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي، حدثنا أبو بكر بن زنجويه، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا سفيان الثوري، عن عبدالرحمن بن زياد بن أنعم.

قال الآجري: وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، حدثنا الهيثم بن خارجة، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي قَالَ: " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل، تفرَّق بَنُو إسْرائيلَ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَستَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ، تزيد عليهم، كُلّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: مَنْ هذه الملة، قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابي ".

وهذا لفظ حديث الصوفي.

وبالإسناد، قال الآجري:

حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا المسيب بن واضح قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: " أصول البدع أربع: الروافض، والخوارج، والقَدَرية، والمرجئة، ثم تتشعب كل فرقة ثماني عشرة طائفة، فتلك ثنتان وسبعون فرقة، والثالثة والسبعون الناجية التي قال رسول الله إنها الناجية ".

القول الثالث: أنهم المشركون. قاله الحسن.

ومعنى: " فارقوا دينهم ": أي: تركوا دين إبراهيم وإسماعيل وعبدوا الأصنام، وفارقوا دينهم الذي جاءهم به محمد.

ومعنى فرّقوه: صاروا فرقاً وشِيعاً، وذهبوا إلى التكذيب به كل مذهب، فهؤلاء يقولون: كهانة، وهؤلاء يقولون: سحر، وهؤلاء يقولون: أساطير الأولين، إلى غير ذلك.

قوله تعالى: { لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } قال أبو الضحى: برئ نبيكم منهم.

وقيل: المعنى: لست من السؤال عنهم في شيء.

وقال السدي: لست من قتالهم في شيء.

فعلى هذا؛ تكون الآية في المشركين وفي أهل الكتاب، وتكون منسوخة بآية السيف.

{ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ } المجازاة والمكافأة { إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } إذا وردوا القيامة.