الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

قوله: { أَن تَخْشَعَ }: فاعلُ " يَأْنِ " ، أي: ألم يَقْرُبْ خشوعُ قلوبِهم. واللامُ قال أبو البقاء: " للتبيين " فعلى هذا تتعلَّق بمحذوفٍ، أي: أَعْني الذينَ، ولا حاجةَ إليه. والعامة " أَلَمْ ". والحسن وأبو السَّمَّال " ألَمَّا " وقد عَرَفْتَ الفرقَ بين الحرفين ممَّا تقدَّم. والعامَّةُ أيضاً " يَأْنِ " مضارعَ أنَى، أي: حان وقَرُبَ مثل: رمى يَرْمي. والحسن " يَئِنْ " مضارع آن بمعنى حانَ أيضاً مثل: باع يبيع.

قوله: { وَمَا نَزَلَ } قرأ نافع وحفص " نَزَل " مخففاً مبنياً للفاعلِ. وباقي السبعةِ كذلك إلاَّ أنه مشدَّدٌ. والجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمروٍ في روايةٍ " نُزِّلَ " مشدَّداً مبنياً للمفعولِ. وعبد الله " أَنْزَل " مبنياً للفاعلِ هو الله تعالى. و " ما " في " ما نَزَلَ " مخففاً يتعيَّنُ أَنْ تكونَ اسميةً. ولا يجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً؛ لئلا يَخْلو الفعلُ من الفاعل، وما عداها يجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً، وأَنْ تكونَ بمعنى الذي. فإن قلتَ: وقراءةُ الجحدريِّ ومَنْ معه ينبغي أَنْ تكونَ فيها اسميةً، لئلا يخلوَ الفعلُ مِنْ مرفوعٍ. فالجواب: أنَّ الجارَّ وهو قولُه " من الحق " يقوم مَقامَ الفاعل.

والعامَّةُ على الغيبة في " ولا يَكونوا " جَرْياً على ما تقدَّم. وأبو حيوة وابنُ أبي عبلة بالتاء مِنْ فوقُ على سبيل الالتفات. ثم هذا يُحْتمل أَنْ يكونَ منصوباً عطفاً على " تَخْشَعَ " كما في قراءةِ الغَيْبة وأَنْ يكونَ نهياً، فتكونَ " لا " ناهيةً والفعلُ مجزومٌ بها. ويجوزُ أَنْ يكونَ نهياً في قراءة الغَيْبة أيضاً، ويكونُ ذلك انتقالاً إلى نهيِ أولئك المؤمنين عن كونِهم مُشْبِهين لمَنْ تَقَدَّمهم نحو: لا يَقُمْ زيدٌ.

قوله: { ٱلأَمَدُ } العامَّةُ على تخفيف الدال بمعنى العامَّة كقولك: أَمَدُ فلانٍ، أي: غايتُه. وابن كثير في روايةٍ بتشديدِها وهو الزمنُ الطويلُ.