الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ }

{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجًا } الخ وإلى هذا ذهب الإمام وغيره في وجه الربط. وقال ابن عطية: إنه سبحانه لما ذكر أنهم لو رأوا الآية المطلوبة في السماء لعاندوا [فيها] (وبقوا على ما هم فيه من الضلال) عقب ذلك بهذه الآية كأنه جل شأنه قال: وإن في السماء لعبراً منصوبة (غير) هذه المذكورة وكفرهم بها وإعراضهم عنها إصرار منهم وعتو اهـ؛ والظاهر أن الجعل بمعنى الخلق والإبداع فالجار والمجرور متعلق به، وجوز أن يكون بمعنى التصيير فهو متعلق بمحذوف على أنه مفعول ثان له وبروجاً مفعوله الأول، والبروج جمع برج وهو لغة القصر والحصن وبذلك فسره هنا [ابن] عطية، فقد أخرج عنه ابن أبـي حاتم أنه قال:/ جعلنا قصوراً في السماء فيها الحرس، وأخرج عن أبـي صالح أن المراد بالبروج الكواكب العظام. وفي " البحر " عنه الكواكب السيارة وروى غير واحد عن مجاهد وقتادة أنها الكواكب من غير قيد، وروي عن ابن عباس تفسير ذلك بالبروج الإثني عشر المشهورة وهي ستة شمالية ثلاثة ربيعية وثلاثة صيفية وأولها الحمل وستة جنوبية ثلاثة خريفية وثلاثة شتائية وأولها الميزان وطول كل برج عندهم لـ درجة وعرضه قف درجة ص منها في جهة الشمال ومثلها في جهة الجنوب وكأنها إنما سميت بذلك لأنها كالحصن أو القصر للكوكب الحال فيها وهي في الحقيقة أجزاء الفلك الأعظم وهو المحدد المسمى بلسانهم الفلك الأطلس وفلك الأفلاك وبلسان الشرع بعكسه ولهذا يسمى الشيخ الأكبر قدس سره الفلك الأطلس بفلك البروج والمشهور تسمية الفلك الثامن وهو فلك الثوابت به لاعتبارهم الانقسام فيه وكأن ذلك لظهور ما تتعين به الأجزاء من الصور فيه وإن كان كل منها منتقلاً عما عينه إلى آخر منها لثبوت الحركة الذاتية للثوابت على خلاف التوالي وإن لم يثبتها لها لعدم الإحساس بها قدماء الفلاسفة كما لم يثبت الأكثرون حركتها على نفسها وأثبتها الشيخ أبو علي ومن تبعه من المحققين، وقد صرحوا بأن هذه الصور المسماة بالأسماء المعلومة توهمت على المنطقة وما يقرب منها من الجانبين من كواكب ثابتة تنظمها خطوط موهومة وقعت وقت القسمة في تلك الأقسام ونقل ذلك في " الكفاية " عن عامة المنجمين وأنهم إنما توهموا لكل قسم صورة ليحصل التفهيم والتعليم بأن يقال: الدبران مثلا عين الأسد.

وتعقب ذلك بقوله: وهذا ليس بسديد عندي لأن تلك الصور لو كانت وهمية لم يكن لها أثر في أمثالها من العالم السفلى مع أن الأمر ليس كذلك فقد قال بطليموس في " الثمرة ". الصور التي في عالم التركيب مطيعة للصور الفلكية إذ هي في ذواتها على تلك الصور فأدركتها الأوهام على ما هي عليه وفيه بحث ثم هذه البروج مختلفة الآثار والخواص بل لكل جزء من كل منها وإن كان أقل من عاشرة بل أقل الأقل آثار تخالف آثار الجزء الآخر وكل ذلك آثار حكمة الله تعالى وقدرته عز وجل.

السابقالتالي
2