الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً }

وقوله سبحانه: { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ } قيل استئناف وقع جواباً لسؤال نشأ مما قبله حيث أفاد أن الجنة مسكن لهم والساكن في دار يحتاج إلى أشياء كثيرة لتطيب نفسه بسكناها فكأن سائلا يقول: ما لهم إذا صاروا إليها وسكنوا فيها؟ فقيل لهم فيها ما يشاؤون. وقال الطبرسي: الجملة في موضع الحال من قوله تعالى:ٱلْمُتَّقُونَ } [الفرقان: 15] و(ما) موصولة مبتدأ والعائد محذوف و { لَهُمْ } خبره و { فِيهَا } متعلق بما تعلق به أي كائن لهم فيها الذي يشاؤونه من فنون الملاذ والمشتهيات وأنواع النعيم الروحاني والجسماني، ولعل كل فريق منهم يقتنع بما أبيح له من درجات النعيم ويرى ما هو فيه ألذ الأشياء ولا تمتد أعناق هممهم إلى ما فوق ذلك من المراتب العالية ولا يخطر بباله ما يخطر طلبة ولا يتأتى له فلا يشاء آحاد المؤمنين رتبة الأنبياء عليهم السلام ولا يتعرضون للشفاعة لمن كتب عليه الخلود في النار مثلا فلا يلزم الحرمان ولا تساوي مراتب أهل الجنان، وعلى ضد هؤلاء فيما ذكر أهل النار فقد قال سبحانه فيهموَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } [سبأ: 54]. / { خَـٰلِدِينَ } حال من أحد ضمائرهم على ما قيل وظاهره عدم الترجيح، وقال بعض الأفاضل: جعله حالاً من الأول يقتضي كونها حالاً مقدرة ومن الثالث يوهم تقييد المشيئة بها فخير الأمور أوسطها، ورجح بعضهم الثالث لقربه والتقييد غير مخل بل مهم، وجوز كونها حالاً من المتقين ولا يخفى حاله. ولبعض الأجلة هٰهنا كلام فيه بحث ذكره الحمصي في «حواشي التصريح» فليراجع.

{ كَانَ } أي الوعد بما ذكر أو الموعود المفهوم من الكلام فيشمل الوعد بالجنة وبحصول ما يشاؤون لهم فيها وبالخلود على الأول والجنة وحصول المرادات والخلود الموعود بها على الثاني، وقال بعضهم: الضمير للخلود، وآخر لحصول ما يشاؤون لهم فيها أو له ولكون الجنة جزاءً ومصيراً، والإفراد باعتبار ما ذكر ويغني عنه ما سمعت، والأكثرون على أنه لما يشاؤون وهو اسم (كان) وقوله تعالى: { عَلَىٰ رَبِّكَ } متعلق بها أو بمحذوف وقع حالاً من قوله سبحانه: { وَعْداً } وهو خبرها، ولم يجوز تعلق الجار به سواء كان باقياً على مصدريته أو مؤولاً باسم المفعول أي موعوداً لما علمت من الخلاف في مرجع الضمير بناءً على منع تقديم معمول المصدر عليه وإن كان مؤولاً بغيره أو كان المقدم ظرفاً وفيه خلاف. وجوز أن يكون { عَلَىٰ رَبِّكَ } متعلقاً بمحذوف هو الخبر و { وَعْداً } مصدراً مؤكداً، والأظهر أن يجعل هو الخبر أي كان ذلك وعداً أو موعوداً { مَّسْئُولاً } أي حقيقاً أن يسئل ويطلب لكونه مما يتنافس فيه المتنافسون أو سبباً لحصول ذلك فمسؤوليته كناية عن كونه أمراً عظيماً، ويجوز أن يراد كون الموعود مسؤولاً حقيقة بمعنى يسأله الناس في دعائهم بقولهم:

السابقالتالي
2