الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

{ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ } هما الزاني والزانية بطريق التغليب، قاله السدي وابن زيد وابن جبير، أراد بهما البكران اللذان لم يحصنا، ويؤيد ذلك كون / عقوبتهما أخف من الحبس المخلد، وبذلك يندفع التكرار لكن يبقى حكم الزاني المحصن غير ظاهر. وقرأ ابن كثير { وَٱللَّذَانَ } بتشديد النون وهي لغة وليس مخصوصاً بالألف كما قيل بل يكون مع الياء أيضاً وهو عوض عن ياء الذي المحذوف إذ قياسه اللذيان والتقاء الساكنين هنا على حده كما في دابة وشابة { فَـئَاذُوهُمَا } أي بعد استشهاد أربعة شهود عليهما بالإتيان، وترك ذكر ذلك تعويلاً على ما ذكر آنفاً، واختلف في الإيذاء على قولين: فعن ابن عباس أنه بالتعيير والضرب بالنعال، وعن السدي وقتادة ومجاهد أنه بالتعيير والتوبيخ فقط { فَإِن تَابَا } عما فعلا من الفاحشة بسبب الإيذاء كما ينبىء عنه الفاء { وَأَصْلَحَا } أي العمل. { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا } أي اصفحوا عنهما وكفوا عن أذاهما { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً } مبالغاً في قبول التوبة { رَّحِيماً } واسع الرحمة والجملة في معرض التعليل للأمر بالإعراض، والخطاب هنا للحكام، وجوز أن يكون للشهود الواقفين على فعلتهما، ويراد بالإيذاء ذمهما وتعنيفهما وتهديدهما بالرفع إلى القضاة والجر إلى الولاة وفتح باب الشر عليهما، وبالإعراض عنهما ترك التعرض لهما بذلك، والوجه الأول هو المشهور، والحكم عليه منسوخ بالحد المفروض في سورة النور أيضاً عند الحسن وقتادة والسدي والضحاك وابن جبير وغيرهم، وإلى ذلك ذهب البلخي والجبائي والطبري وقال الفراء: إن هذه الآية نسخت الآية التي قبلها، وهذا مما لا يتمشى على القول بأن المراد بالموصول البكران كما لا يخفى، وذهب أبو مسلم إلى أنه لا نسخ لحكم الآيتين بل الآية الأولى في السحاقات وهن النساء اللاتي يستمتع بعضهن ببعض وحدهن الحبس، والآية الثانية في اللائطين وحدهما الإيذاء، وأما حكم الزناة فسيأتي في سورة النور، وزيف هذا القول بأن لم يقل به أحد، وبأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم اختلفوا في حكم اللوطي ولم يتمسك أحد منهم بهذه الآية، وعدم تمسكهم بها مع شدة احتياجهم إلى نص يدل على الحكم دليل على أن الآية ليست في ذلك، وأيضاً جعل الحبس في البيت عقوبة السحاق مما لا معنى له لأنه مما لا يتوقف على الخروج كالزنا، فلو كان المراد السحاقات لكانت العقوبة لهن اختلاط بعضهنّ ببعض لا الحبس والمنع من الخروج، فحيث جعل هو عقوبة دل ذلك على أن المراد ـ باللاتي يأتين الفاحشة ـ الزانيات، وأجاب أبو مسلم بأنه قول مجاهد ـ وهو من أكابر المفسرين المتقدمين ـ وقد قال غير واحد: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك على أنه تبين في الأصول أن استنباط تأويل جديد في الآية لم يذكره المتقدمون جائز، وبأن مطلوب الصحابة رضي الله تعالى عنهم معرفة حد اللوطي وكمية ذلك، وليس في الآية دلالة عليه بالنفي والإثبات، ومطلق الإيذاء لا يصلح حداً ولا بياناً للكمية فلذا اختلفوا، وبأن المراد من إمساكهن في البيوت حبسهن فيها واتخاذها سجناً عليهن ومن حال المسجون منع من يريد الدخول عليه وعدم تمكينه من الاختلاط، فكان الكلام في قوة فامنعوهنّ عن اختلاط بعضهن ببعض على أن الحبس المذكور حد، وليس المقصود منه إلا الزجر والتنكيل، وأيد مذهبه بتمحيض التأنيث في الآية الأولى والتذكير في الآية الثانية، والتغليب خلاف الأصل، ويبعده أيضاً لفظ منكم فإن المتبادر منه من رجالكم كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3