الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

هذه الآية استئناف لبيان الجزاء العام في الآخرة على الحسنات وهي الإيمان والأعمال الصالحة وعلى السيئات وهي الكفر والأعمال الفاسدة جاءت في خاتمة السورة التي بينت قواعد العقائد وأصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأقامت عليها البراهين وفندت ما يورده الكفار عليها من الشبهات، كما بينت بالبراهين فساد ما يقابلها من قواعد الشرك وأصول الكفر وأبطلت شبهات أهله، ثم بينت في الوصايا العشر أصول الآداب والفضائل التي يأمر بها الإسلام وما يقابلها من أصول الرذائل والفواحش التي ينهى عنها، فناسب بعد ذلك كله أن يبين الجزاء على كل منهما في الآخرة بعد الإشارة إلى فوائد الأمر والنهي وما فيهما من المصالح الدنيوية بما ذيلت به آيات الوصايا، وما سبق من ذكر الجزاء في أثناء السورة غير مغن عن هذه الآية لأنه ليس عاماً كعمومها ولا مبيناً للفرق بين الحسنات والسيئات كبيانها.

فقوله تعالى: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } معناه أن كل من جاء ربه يوم القيامة متلبساً بالصفة الحسنة التي يطبعها في نفسه طابع الإيمان والعمل الصالح فله عنده من الجزاء عشر حسنات أمثالها من العطايا، فإذا كان تأثير الحسنة في نفسه أن تكون حالة حسنة بقدر معين بحسب سننه تعالى في ترتيب الجزاء على آثار الأعمال الحسنة في تزكية الأنفس فهو يعطيه ذلك مضاعفاً عشرة أضعاف تغليباً لجانب الحق والخير على جانب الباطل والشر رحمة منه جل ثناؤه بعبيده المكلفين.

(وقد قرأ يعقوب " عشر " بالتنوين و " أمثالها " بالرفع على الوصف) والظاهر أن هذه العشر لا تدخل فيما وعد الله تعالى به من المضاعفة لمن يشاء على بعض الأعمال كالنفقة في سبيله فقد وعد بالمضاعفة عليها بإطلاق في قوله من سورة التغابنإِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } [التغابن: 17] وبالمضاعفة الموصوفة بالكثرة في قوله من سورة البقرة:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } [البقرة: 245] الآية ثم بالمضاعفة سبعمائة ضعف في قوله منها أيضاًمَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261] قيل إن المراد بالمضاعفة لمن يشاء هذه المضاعفة نفسها وقيل بل المراد به غيرها أو ما يزيد عليها، وقيل أيضاً إن المضاعفة كلها خاصة بالإنفاق.

والأرجح أن المضاعفة عامة وأن الجملة على إطلاقها فتتناول ما زاد على سبعمائة ضعف وما نقص عنه، وهي تشير إلى تفاوت المنفقين وغيرهم من المحسنين في الصفات النفسية كالإخلاص في النية، والإحتساب والأريحية وفيما يتبعها من العمل كالإخفاء ستراً على المعطى وتباعداً من الشهرة، والإبداء لأجل حسن القدوة، وتحري المنافع والمصالح، وفي الأحوال المالية والإجتماعية كالغنى والفقر والصحة والمرض، وفيما يقابل ذلك من الصفات والأعمال كالرياء وحب الشهرة الباطلة والمن والأذى.

السابقالتالي
2 3 4 5