الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

إنما ذكّر العدد والمَعْدُود مذكَّر، لأوجه:

منها: أن الإضافة لها تَأثِير كما تقدَّم غيْر مرَّة؛ فاكتسب المُذَكَّر من المؤنَّث التَّأنيث، فأعْطِي حُكْم المؤنَّث من سُقُوط التَّاء من عَدَدِه؛ ولذلك يُؤنَّث فعله حالة إضافته لِمُؤنَّثٍ نحو: { تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } [يوسف:10].

وقوله: [الطويل]
2395-....................   كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنْ الدَّمِ
وقوله: [الطويل]
2396-....................   تَسَفًّهَتْ أعَالِيهَا مَرُّ الرِّبيعِ النَّواسِمِ
إلى غير ذلك مما تقدَّم تَحْقِيقه.

ومنها: أنَّ المذكر عِبَارة عن مُؤنَّثٍ، فرُوعِي المُرَاد دُونَ اللَّفْظ، وعليه قوله: [الطويل]
2397- وإنَّ كِلاَباً هذه عَشْرُ أبْطُنٍ   وأنْتَ بَرِيءٌ مِنْ قِبَائِلِهَا العَشْرِ
لم يُلْحِق التَّاء في عدد أبطن، وهي مُذَكَّرة؛ لأنَّها عِبَارة عن مُؤنَّث، وهي القبائل، فكأنَّه قيل: وإن كِلاَباً هذه عَشْر قَبَائِل؛ ومثله قول عُمَر بن أبي ربيعة: [الطويل]
2398- وَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أتَّقِي   ثلاثُ شُخُوصٍ كاعِبَانِ ومُعْصِرُ
لم تَلْحَق التاءُ في عدد " شخوص " وهي مُذَكَّرة؛ لمَّا كانت عِبَارة عن النِّسْوَة، وهذا أحْسَن ممَّا قَبْلَه؛ للتَّصْريح بالمُؤنَثِ في قوله: " كاعبانِ " و " مُعْصِرُ " ، وهذا كما أنَّه إذا أُرِيد بلَفْظٍ مؤنَّثٍ معنًى مُذَكَّر؛ فإنَّهم يَنْظُرُون إلى المُراد دُونه اللَّفْظ، فَيُلْحِقُون التَّاء في عددِ المُؤنَّث، ومنه قوله الشاعر: [الوافر]
2399- ثَلاَثَةُ أنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ   لَقَدْ جَارَ الزَّمَانُ على عِيَاليِ
فألحَق التَّاء في عدد " أنْفُس " وهي مُؤنَّثةٌ؛ لأنَّها يراد بها ذُكُور، ومثله:ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً } [الأعراف:160] في أحد الوَجْهَين، وسيأتي إن شاء الله في موضعه.

ومنها: أنَّه راعى الموصُوف المَحْذُوف، والتقدير: فله عَشْر حسنات أمْثَالها، ثم حذف الموصُوف: وأقَامَ صِفَتَهُ مُقامه تاركاً العدد على حاله، ومثله: " مَرَرْت بِثَلاثة نَسَّاباتٍ " ألْحِقَت التَّاء في عدد المؤنَّث مُرَاعاةً للموصوف المَحْذُوف، إذ الأصْل: بثلاثة رجالٍ نسَّاباتٍ، ويؤيِّد هذا: قراءة يَعْقُوب، والحسن، وسعيد بن جُبَيْر، والأعْمش، وعيسى بن عُمَر: " عَشْرٌ " بالتَّنوين " أمثَالُها " بالرَّفْع صفة لـ " عَشْر " أي: فله عشر حسناتٍ أمْثَالِ تِلْك الحسنة، وهذه القراءة سَالِمَةٌ من تلك التَّآويل المَذْكُورة في القِرَاءة المَشْهُورة.

وقال أبو عليَّ: اجْتَمَع هاهُنَا أمْرَان، كلٌّ مِنْها يُوجِب التَّأنيث، فلما اجْتَمَعا، قوي التَّأنيث:

أحدهما: أن الأمْثَال في المعنى: " حَسَنات " فجاز التأنيث كقوله: [الطويل]
2400-..................   ثلاثُ شُخُوصٍ كاعِبَانِ ومُعْصِرُ
أراد بالشُّخُوص: النِّسَاء.

والآخر: أنَّ المُضاف إلى المؤنَّثِ قد يُؤنَّث وإن كان مُذَكَّراً؛ كقول من قال: " قَطَعْت بَعْضَ أصابِعه " ، { تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } [يوسف:10].

فصل في هل المراد في العدد التحديد

قال بعضهم: التقدير بالعَشْرَة ليس المراد منه: التَّحْديدُ، بل المُرَادُ منه: الإضْعَاف مُطْلقاً؛ كقول القائل: " إذا أسديت إليَّ معروفاً لأكافِئَنَّكَ بعشر أمْثَالِهِ " وفي الوَعِيد: " لئن كَلَّمْتَنِي [كلمة] واحِدَة، لأكَلِّمنَّك عَشْراً " ولا يريدُ التَّحْديد، فكذلك هُنا، ويدُلُّ على أنَّه ليس المراد التَّحْديد، قوله - سبحانه وتعالى -:

السابقالتالي
2