الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

قال الإِمام القرطبى الخلْف - بسكون اللام - الأولاد، الواحد والجمع فيه سواء، الخلف - بفتح اللام - البدل، ولداً كان أو غريبا. وقال ابن الأعرابى الخلف - بفتح اللام - الصالح، وبسكونها الطالح، ومنه قيل للردى من الكلام خلف - بسكون اللام - ومنه المثل السائر " سكت ألفا ونطق خلْفا " قال لبيد.
ذهب الذين يعاش فى أكنافهم وبقيت فى خلف كجلد الأجرب   
فخلْف فى الذم بالإِسكان، وخَلَف بالفتح فى المدح، هذا هو المستعمل المشهور، وفى الحديث الشريف " يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له " وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر. والعرض - بفتح الراء - متاع الدنيا وحطامها من المال وغيره. قال صاحب الكشاف قوله تعالى { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } أى حطام هذا الشىء الأدنى، يريد الدنيا وما يتمتع به منها، وفى قوله هذا تخسيس وتحقير، والأدنى إما من الدنو بمعنى القرب، لأنه عاجل قريب، وإما من دنو الحال وسقوطها وقلتها والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشا فى الأحكام على تحريف الكلم للتسهيل على العامة. والضمير فى قوله { مِن بَعْدِهِمْ } يعود إلى اليهود الذين وصفهم الله فى الآية السابقة بقولهوَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } والمعنى فخلف من بعد أولئك القوم الذين قطعناهم فى الأرض أمما خلف سوء، ورثوا كتاب الله وهو التوراة فقرأوه وتعلموه، ووقفوا على ما فيه من تحليل وتحريم وأمر ونهى ولكنهم لم يتأثروا به بل خالفوا أحكامه، واستحلوا محارمه مع علمهم بها، فهم يتهافتون على حطام الدنيا ومتاعها ويتقبلون المال الحرام بشراهة نفس. ويأكلون الحست أكلا لما ويقولون وهم والغون فى المعاصى ومصرون على الذنوب إن الله سيغفر لنا ذنوبنا ولا يؤاخذنا بما أكلنا من أموال، لأننا من نسل أنبيائه، فنحن شعبه الذى اصطفاه من سائر البشر، إلى غير ذلك من الأقاويل التى يفترونها على الله وهم يعلمون. وجملة { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } مستأنفة لبيان ما يصنعون بالكتاب بعد وراثتهم إياه. وقيل هى حال من الضمير فى ورثوا. ثم أخبر - سبحانه - عنهم بأنهم أهل إصرار على ذنوبهم، وليسوا بأهل إنابة ولا توبة فقال تعالى { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } أى أنهم يأخذون عرض الحياة الدنيا ويعرضون عن شريعة الله التى أنزلها عليهم فى التوراة ويزعمون أن الله لا يؤاخذهم بما فعلوا. ثم هم بعد ذلك لا يتوبون إلى الله ولا يستغفرونه، وإنما حالهم أنهم إن لاح لهم عرض حرام آخر مثل الذى أخذوه أولا بالباطل، تهافتوا عليه من جديد واستحلوه وأكلوه فى بطونهم، وبدون توبة أو ندم.

السابقالتالي
2 3