الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ }

يقول تعالى ذكره: { اعْلَمُوا } أيها الناس { أنَّ اللّهَ يُحْيِي الأرْضَ } الميتة التي لا تنبت شيئاً { بَعْدَ مَوْتِها } يعني: بعد دثورها ودروسها، يقول: وكما نحيي هذه الأرض الميتة بعد دروسها، كذلك نهدي الإنسان الضّالّ عن الحقّ إلى الحقّ، فنوفِّقه ونسدّده للإيمان حتى يصير مؤمناً من بعد كفره، ومهتدياً من بعد ضلاله. وقوله: { قَدْ بَيَّنا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } يقول: قد بيَّنا لكم الأدلة والحجج لتعقلوا. وقوله: { إنَّ المُصَّدِّقِينَ وَالمُصَّدِّقاتِ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار، خلا ابن كثير وعاصم بتشديد الصاد والدال، بمعنى أن المتصدّقين والمتصدّقات، ثم تُدغم التاء في الصاد، فتجعلها صاداً مشدّدة، كما قيل: يا أيها المُزَّمِّلُ يعني المتزمل. وقرأ ابن كثير وعاصم «إنَّ المُصَدّقِينَ والمُصَدقاتِ» بتخفيف الصاد وتشديد الدال، بمعنى: إن الذين صدقوا الله ورسوله. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان صحيح معنى كلّ واحدة منهما فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. فتأويل الكلام إذن على قراءة من قرأ ذلك بالتشديد في الحرفين: أعني في الصاد والدال، أن المتصدّقين من أموالهم والمتصدّقات { وأقْرَضُوا للّهِ قَرْضاً حَسَناً } يعني بالنفقة في سبيله، وفيما أمر بالنفقة فيه، أو فيما ندب إليه { يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أجْرٌ كَرِيمٌ } يقول: يضاعف الله لهم قروضهم التي أقرضوها إياه، فيوفيهم ثوابها يوم القيامة، { وَلَهُمْ أجْرٌ كَرِيمٌ } يقول: ولهم ثواب من الله على صدقهم، وقروضهم إياه كريم، وذلك الجنة.