الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

هذه الآية في المقابلة والموازنة بين من يهتدي ويهدي بالقرآن على علم وبينة ومن يكفر به على جهل وتقليد، أو عناد وجحود، فهي صلة بين ما قبلها وما بعدها.

{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } أي على الحجة وبصيرة من ربه فيما يؤمن به ويدعو إليه هاديا مهتدياً به، فالبينة ما يتبين به الحق في كل شيء بحسبه، كالبرهان في العقليات، والنصوص في النقليات، والخوارق في الإلهيات، والتجارب في الحسيات، والشهادات في القضائيات، والاستقراء في إثبات الكليات، وقد نطق القرآن بأن الرسل كلهم قد جاءوا بالبينات، وأن كل نبي منهم كان يحتج على قومه بأنه على بينة من ربه، وأنه جاءهم ببينة من ربهم، كما ترى في قصصهم من سورة الأعراف وهذه السورة وكانت بيناتهم قسمين: حججاً عقلية، وآيات كونية، وكان من لم يقتنع ببينة الرسول أو يكابرها يقولون:مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } [هود: 53] وكان من جحد الآية الكونية بعد التحدي والإنذار بالعذاب يهلكون بعذاب الاستئصال، وتجد هذا وذاك مفصلا في قصصهم من هذه السورة، وفرق بين قول الرسول منهم:إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } [الأنعام: 57] وقوله:قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [الأعراف: 105] فالأولى ما علم هو به أنه رسول من ربه بوحيه إليه، وبإظهاره على ما شاء من رؤية ملك الوحي وغيره من عالم الغيب، والثانية ما آتاه من الحجة العقلية على قومه كقوله تعالى:وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } [الأنعام: 83] أو ما آتاه من آية كونية تستخذي لها أنفسهم، وتنقطع بها مكابرتهم.

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يطلق البينة تارة على الحجة والبرهان، وتارة على آيته الكبرى الجامعة للبراهين الكثيرة وهي القرآن، قال تعالى لهقُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ } [الأنعام: 57] وأمره أن يقول لهم بعد ذكر موسى والتوراةوَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } [الأنعام: 155-157] فهذا السياق يشبه سياق الآية التي نفسرها.

وفي المراد بصاحب البينة فيها وجهان: أحدهما: أنه عام قوبل به ما قبله وهو من لا يريدون من حياتهم إلا لذات الدنيا وزينتها، وإن البينة هي نور البصيرة الفطرية والحجة العقلية التي يميز بها الإنسان بين الحق والباطل، والهدى والضلال. والمعنى: أفمن كان على بينة وبصيرة في دينه من ربه - فهو كقوله:

السابقالتالي
2 3