الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

لمّا ذكر حال من يريد الحياة الدنيا ذكر حال من يريد وجه الله تعالى بأعماله الصالحة، وحذف المعادل الذي دخلت عليه الهمزة والتقدير: كمن يريد الحياة الدنيا. وكثيراً ما حذف في القرآن كقوله:أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً } [فاطر: 8] وقوله:أمّن هو قانت آناء الليل } [الزمر: 9] وهذا استفهام معناه التقرير. قال الزمخشري: أي، لا تعقبونهم في المنزلة ولا تفارقونهم، يريد أنّ بين الفريقين تفاوتاً بعيداً وتبايناً بيناً، وأراد بهم من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره، كان على بينة من ربه أي: على برهان من الله تعالى وبيان أن دين الإسلام حق وهو دليل العقل، ويتلوه ويتبع ذلك البرهان شاهد منه أي: شاهد يشهد بصحته وهو القرآن منه من الله، أو شاهد من القرآن ومن قبله. ومن قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة أي: ويتلو ذلك أيضاً من قبل القرآن كتاب موسى. وقرىء كتاب موسى بالنصب، ومعناه كان على بينة من ربه وهو الدليل على أنّ القرآن حق، ويتلوه ويقرأ القرآن شاهد منه، شاهد ممن كان على بينة كقوله:وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } [الأحقاف: 10]قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } [الرعد: 43] { ومن قبله كتاب موسى } ويتلوه ومن قبل التوراة إماماً كتاباً مؤتماً في الدين قدوة فيه انتهى. وقيل في أفمن كان: المؤمنون بالرسول، وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. وقال علي بن أبي طالب، وابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والضحاك: محمد والمؤمنون جميعاً، والبينة القرآن أو الرسول، والهاء للمبالغة والشاهد. قال ابن عباس، والنخعي، ومجاهد، والضحاك، وأبو صالح، وعكرمة: هو جبريل. وقال الحسن بن علي: هو الرسول. وقال أيضاً مجاهد: هو ملك وكله الله بحفظ القرآن. قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بهذه الألفاظ جبريل، وقيل: هو علي بن أبي طالب. وروى المنهال عن عبادة بن عبد الله، قال علي كرم الله وجهه:ما في قريش أحد إلا وقد نزلت فيه آية قيل: فما نزل فيك؟ قال: ويتلوه شاهد منه، وبه قال محمد بن علي وزيد بن علي. وقيل: هو الإنجيل قاله: الفراء. وقيل: هو القرآن، وقيل: هو إعجاز القرآن قاله الحسين بن الفضل، وقيل: صورة الرسول صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخايله، لأنّ كل عاقل نظر إليه علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه، والضمير في منه يعود إلى الدين أو إلى الرسول، أو إلى القرآن. ويتلوه بمعنى يتبعه، أو يقرؤه، والضمير المرفوع في يتلوه والمنصوب والمجرور في منه يترتب على ما يناسبه كل قوم من هذه.

السابقالتالي
2