قوله تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } أخرج مسلم في صحيحه أن ابن مسعود قال: " ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بقوله: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } إلا أربع سنين ". وفي رواية أخرى: فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضاً. وقال ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن فقال: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ }. وقال ابن السائب: نزلت في المنافقين، آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم. والمعنى: ألم يَحِن، من أَنَى الأمر يَأْنِي؛ إذا جاء إِنَاهُ، وهو حينه ووقته، " أن تخشع ": تلين وتخضع، " لذكر الله ": وهو القرآن. { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ } وهو القرآن أيضاً؛ [لأنه] جامع بين الوصفين، كونه ذِكْراً وحقاً نازلاً. قرأ نافع وحفص: " نَزَلَ " بالتخفيف، وشدَّدها الباقون من العشرة. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية: " نُزِّلَ " بضم النون وكسر الزاي وتشديدها. وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء: " أَنْزَلَ " بهمزة مفتوحة. وقرأ أبو مجلز وعمرو بن دينار: " أُنْزِلَ " بهمزة مضمومة وكسر الزاي. { وَلاَ يَكُونُواْ } وقرأ رويس عن يعقوب: " ولا تكونوا " بالتاء، على طريقة الالتفات، أو على مخاطبتهم بالنهي. وقراءة الأكثرين عطفٌ على " أن تخشع ". { كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ } وهم اليهود والنصارى { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } قال ابن قتيبة: الأمَدُ: الغاية. والمعنى: أنه بَعُدَ عهدهم بالأنبياء والصالحين. { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } قال ابن عباس: مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله. { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } وهم الذين رفضوا ما في الكتابين ونبذوه وراء ظهورهم. ويروى: أن أبا موسى رضي الله عنه طلب قرّاء أهل البصرة، فَدُخِلَ عليه بثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقُرّاؤها، فاتلوه، ولا يَطُولَنَّ عليكم الأمَدُ فتقسوا قلوبكم كما قَسَتْ قلوب من كان قبلكم. والمقصود من الآية التي بعدها: الاستدلال على صحة البعث وكونه. وقال ابن عباس: المعنى: اعلموا أن الله يُليّن القلوب بعد قسوتها، فيجعلها مُجيبة مُنيبة، ويُحيي القلوب الميتة بالعلم والحكمة، وإلا فقد [عُلِمَ] إحياء الأرض بالمطر مشاهدة.