الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }

قوله: { عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ }: خبرُ المبتدأ. والضميرُ للسماء. وقيل: للأرض. قال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: ما الفرقُ بين قولِه " والمَلَكُ " وبين أنْ يقال: والملائكة؟ قلت: المَلَكُ أعَمُّ مِنْ الملائكةِ؛ ألا ترى أنَّ قولَك " ما مِنْ مَلَكٍ إلاَّ وهو شاهِدٌ " أعمُّ من قولِك: " ما مِنْ ملائكة " انتهى. قال الشيخ: " ولا يَظْهر أنَّ المَلَكَ أعَمُّ مِنْ الملائكةِ؛ لأنَّ المفردَ المحلَّى بالألف واللام [الجنسية] قُصاره أَنْ يكونَ مُراداً به الجمعُ المُحلَّى [بهما] ولذلك صَحَّ الاستثناءُ منه، فقصاراه أن يكونَ كالجمعِ المُحَلَّى بهما، وأمَّا دَعْواه أنه أعَمُّ منه بقوله: " ألا ترى إلى آخره " فليس دليلاً على دَعْواه؛ لأنَّ " مِنْ مَلَكٍ " نكرةٌ مفردةٌ في سياقِ النفيِ قد دَخَلَتْ عليها " مِنْ " المُخَلِّصةُ للاستغفارق. فَشَمَلَتْ كلَّ مَلَكٍ، فاندرج تحتها الجمعُ لوجود الفردِ فيه، فانتفى كلُّ فردٍ بخلافِ " مِنْ ملائكة " فإنَّ " مِنْ " دَخَلَتْ على جمع مُنكَّرٍ، فَعَمَّ في كلِّ جمعٍ جمعٍ من الملائكة، ولا يلزَمُ مِنْ ذلك انتفاءُ كلِّ فردٍ مَنْ الملائكة. لو قلت: " ما في الدارِ مِنْ رجال " جاز أَنْ يكونَ فيها واحدٌ؛ لأنَّ النفيَ إنما انسحب على جمعٍ، ولا يَلْزَمُ مِنْ انتفاءِ الجمعِ أَنْ ينتفيَ المفرد، والمَلَكُ في الآية ليس في سياقِ نفيٍ دَخَلَتْ عليه " مِنْ " وإنما جيء به مفرداً لأنه أَخفُّ، ولأنَّ قولَه " على أَرْجائِها " يَدُلُّ على الجَمْعِ؛ لأنَّ الواحدَ بما هو واحدٌ لا يمكنُ أَنْ يكونَ " على أرجائها " في وقتٍ واحدٍ، بل في أوقاتٍ. والمرادُ ـ واللَّهُ أعلَمُ ـ أنَّ الملائكةَ على أرجائها، لا أنه مَلَكٌ/ واحدٌ ينتقِلُ على أرجائها في أوقات ".

قلت: الزمخشريُّ مَنْزَعُه في هذا ما قدَّمْتُه عنه في أواخرِ سورةِ البقرة عند قولهوَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } فليُراجَعْ ثمة. وأمَّا قولُ الشيخ: " ما [في الدار] مِنْ رجال، إنَّ النفي مَنسَحِبٌ على رُتَبِ الجمعِ " ففيه خلافٌ للناسِ ونَظَرٌ. والتحقيقُ ما ذكره. والضمير في " فوقهم " يجوزُ أَنْ يعودَ على المَلَك؛ لأنه بمعنى الجمع كما تقدَّم، وأَنْ يعودَ على الحامِلينَ الثمانيةِ. وقيل: يعود على جمع العالَمِ، أي: إن الملائكةَ تحملُ عَرْشَ اللَّهِ تعالى فوق العالَمِ كلِّه.

قوله: { ثمانيةٌ } أَبْهم اللهُ تعالى هذا العددَ، فلم يَذْكُرْ له تمييزاً فقيل: تقديرُه ثمانية أشخاصٍ. وقيل: ثمانيةُ صُنوفٍ.