الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً }

قوله: { يَسْلُكْهُ }: الكوفيون بياءِ الغَيْبة، وهي واضحةٌ، لإِعادةِ الضميرِ على الربِّ تعالى. وباقي السبعةِ بنونِ العظمة على الالتفات، هذا كما تقدَّم في قولِه:سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ } [الإِسراء: 1] ثم قال: { بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ }. وقرأ ابن جندب " نُسْلِكْه " بنونٍ مضمومة مِنْ أَسْلَكه. وبعضُهم بالياء مِنْ تحتُ مضمومةً، وهما لغتان. يُقال: سَلَكه وأسلكه. وأُنْشِدَ:
3457ـ حتى إذا أَسْلكوهم في قُتائِدَةٍ   ............................
وسَلَكَ وأَسْلك يجوزُ فيهما أَنْ يكونا ضُمِّنا معنى/ الإِدخالِ فكذلك يتعدَّيان لاثنين. ويجُوز أَنْ يقالَ: يتعدَّيان إلى أحدِ المفعولَيْن بإسقاطِ الخافضِ، كقولِه:وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [الأعراف: 155]، فالمعنى: يُدْخِلْه عذاباً، أو يَسْلُكْه في عذاب، هذا إذا قلنا: إنَّ " صَعَداً " مصدرٌ. قال الزمخشري: " يقال: صَعِدَ صَعَداً وصُعوداً، فوصف به العذاب؛ لأنه يَتَصَعَّدُ المُعَذَّب أي يَعْلُوه ويَغْلِبُه، فلا يُطيقه. ومنه قولُ عمرَ رضي الله عنه: " ما تَصَعَّدني شيءٌ ما تَصَعَّدَتْني خطبةُ النكاحِ " يريد: ما شقَّ عليَّ ولا غَلَبَني ". وأمَّا إذاجَعَلْناه اسماً لصَخْرةٍ في جهنمَ، كما قاله ابنُ عباسٍ وغيرُه، فيجوزُ فيه وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ " صَعَداً " مفعولاً به أي: يَسْلُكْه في هذا الموضع، ويكون " عذاباً " مفعولاً مِنْ أَجْلِه. والثاني: أَنْ يكونَ " عذاباً " مفعولاً ثانياً، كما تَقَدَّم، و " صَعَداً " بدلاً مِنْ عذاب، ولكنْ على حَذْفِ مضافٍ أي: عذابَ صَعَدٍ.

و " صَعَداً " بفتحتَيْن هو قراءةُ العامَّة. وقرأ ابن عباس والحسنُ بضمِّ الصاد وفتح العين، وهو صفةٌ تقتضي المبالغة كـ حُطَمٍ ولُبَدٍ، وقُرِىءَ بضمَّتين وهو وصفٌ أيضاً كـ جُنُب وشُلُل.