الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } * { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } * { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ }

يقول الحق جلّ جلاله: { إِنَّ المتقين في جناتٍ وعيون } عظيمة، لا يبلغ كُنهها، ولا يُقادر قدرها، ولعل المراد بها الأنهار الجارية، بحيث يرونها، ويقع عليها أبصارهم، لا أنهم فيها، { آخذين ما آتاهم ربهم } أي: نائلين ما أعطاهم راضين به، بمعنى أنَّ كلَّ ما يأتهم حسَنٌ مرضي، يتلقى بحسن القبول، { إِنهم كانوا قبل ذلك } في الدنيا { محسنين } متقنين لأعمالهم الصالحة، آتين بها على ما ينبغي، فلذلك نالوا ما نالوا من الفوز العظيم، ومعنى الإحسان ما فسره به عليه الصلاة والسلام: " أن تعبد الله كأنك تراه " الحديث. ومن جملته ما أشار إليه بقوله: { كانوا قليلاً من الليل ما يَهْجعون } أي: كانوا يهجعون، أي: ينامون في طائفة قليلة من الليل، على أن " قليلاً " ظرف أو كانوا يهجعون هجوعاً قليلاً، على أنه صفة لمصدر، و " ما " مزيدة في الوجهين، ويجوز أن تكون مصدرية مرتفعة بـ " قليلاً " على الفاعل، أي: كانوا قليلاً من الليل هجوعهم. وقال النسفي: يرتفع هجوعهم على البدل من الواو في " كانوا ": لا بقليلاً لأنه صار موصوفاً بقوله: { من الليل } فبعد من شبه الفعل وعمله، ولا يجوز أن تكون " ما " نافية على معنى: أنهم لا يهجعون من الليل قليلاً ويُحْيُونه كله. هـ. أو كانوا ناساً قليلاً ما يهجعون من الله لأن " ما " النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، ولأن المحسنسن وهم السابقون كانوا كثيراً في الصدر الأول، وموجودون في كل زمان ومكان، فلا معنى لقلتهم، خلافاً لوقف الهبطي، وأيضاً: فمدحهم بإيحاء الليل كله مخالف لحالته صلى الله عليه وسلم، وما كان يأمر به. { وبالأسحارِ هم يستغفرون } وصفهم بأنهم يحيون جُل الليل متهجدين، فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار من رؤية أعمالهم. والسَحر: السدس الأخير من الليل، وفي بناء الفعل على الضمير إشعار بأنهم الأحقاء بأن يُوصفوا بالاستغفار، كأنهم المختصون به، لاستدامتهم له، وإطنابهم فيه. { وفي أموالهم حقُّ } أي: نصيب وافر، يُوجبونه على أنفسهم، تقرُّباً إلى الله تعالى وإشفاقاً على الناس، { للسائلِ والمحروم } أي: لمَن يُصرح بالسؤال لحاجة، وللمتعفف الذي يتعرّض ولا يسأل حياءً وتعففاً، يحسبه الناس غنيّاً فيحرم نفسه من الصدقة. وقد تكلم في نوادر الأصول على مَن سأل بالله، أي: قال: أعطني لوجه الله، هل يجب إعطاؤه أم لا؟ وفي الحديث: " مَن سألكم بالله فأعطوه " قال: وهو مُقيد بما إذا سأل بحق: أي: لحاجة، وأما إذا سأل بباطل - أي: لغير حاجة - فإنما سأل بالشيطان لأن وجه الله حق. ثم ذكركلام عليّ شاهداً، ثم حديث معاذ:

السابقالتالي
2