الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

{ ٱلصَّـٰبِرِينَ } يجوز أن يكون مجروراً وأن يكون منصوباً صفة ـ للذين ـ إن جعلته في موضع جر أو نصب وإذا جعلته في محل رفع كان هذا منصوباً على المدح. والمراد بالصبر ـ الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن محارمه ـ قاله قتادة، وحذف المتعلق يشعر بالعموم فيشمل الصبر على البأساء والضراء وحين البأس { وَٱلصَّـٰدِقِينَ } في نياتهم وأقوالهم سراً ـ وعلانية وهو المروي عن قتادة أيضاً ـ { وَٱلْقَـٰنِتِينَ } أي المطيعين ـ قاله ابن جبير ـ أو المداومين على الطاعة والعبادة ـ قاله الزجاج ـ أو القائمين بالواجبات ـ قاله القاضي ـ { وَٱلْمُنْفِقِينَ } من أموالهم في حق الله تعالى ـ قاله ابن جبير ـ أيضاً { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَْسْحَارِ } قال مجاهد والكلبـي وغيرهما: أي المصلين بالأسحار. وأخرج ابن أبـي شيبة عن زيد بن أسلم قال: هم الذين يشهدون صلاة الصبح، وأخرج ابن جرير عن ابن عمر أنه كان يُحْي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فيقول: لا فيعاود الصلاة فإذا قال: نعم قعد يستغفر الله تعالى ويدعو حتى يصبح، وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة " وروى الرضا عن أبيه عن أبـي عبد الله «أن من استغفر الله تعالى في وقت السحر سبعين مرة فهو من أهل هذه الآية» والباء في ـ بالأسحار ـ بمعنى في، وهي جمع ـ سحر ـ بفتح الحاء المهملة وسكونها سميت أواخر الليالي بذلك لما فيها من الخفاء ـ كالسحر ـ للشيء الخفي. وقال بعضهم: السحر من ثلث الليل الأخير إلى طلوع الفجر.

وتخصيص الأسحار بالاستغفار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة إذ العبادة حينئذٍ أشق والنفس أصفى والرُّوع أجمع، وفي «الصحيح»: " أنه تعالى ـ وتنزه عن سمات الحدوث ـ ينزل إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر " وأخرج ابن جرير وأحمد عن سعيد الجريري قال: «بلغنا أن داود عليه الصلاة والسلام سأل جبريل/ عليه السلام فقال: يا جبريل أيّ الليل أفضل قال: يا داود ما أدري سوى أن العرش يهتز في السحر» وتوسيط الواو بين هذه الصفات المذكورة إما لأن الموصوف بها متعدد وإما للدلالة على استقلال كل منها وكمالهم فيها، وقول أبـي حيان: لا نعلم أن العطف في الصفة بالواو يدل على الكمال رده الحلبـي بأن علماء البيان علموه وهم هم.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: { قَدْ كَانَ لَكُمْ } يا معشر السالكين إلى مقصد الكل { ءايَةً } دالة على كمالكم وبلوغكم إلى ذروة التوحيد { فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا } للحرب { فِئَةٌ } منهما وهي فئة القوى الروحانية التي هي جند الله تعالى { تُقَـٰتِلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } وطريق الوصول إليه { وَأُخْرَىٰ } منهما وهي جنود النفس وأعوان الشيطان { كَافِرَةٌ } ساترة للحق محجوبة عن حظائر الصدق ترى الفئة الأخيرة الفئة الأولى لحول عين بصيرتها { مّثْلَيْهِمْ } عند الالتقاء في معركة البدن رؤية مكشوفة ظاهرة لا خفاء فيها مثل رؤية العين، وذلك لتأييد الفئة المؤمنة بالأنوار الإلهية والإشراقات الجبروتية، وخذلان الفئة الكافرة بما استولى عليها من تراكم ظلمات الطبيعة وذل البعد عن الحضرة { وَٱللَّهُ } تعالى { يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء } تأييده لقبول استعداده لذلك { إِنَّ فِى ذَلِكَ } التأييد

السابقالتالي
2 3