قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } ، قال ابن عباس: يعني أهل مكة. { قَدْ جَاءكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقّ مِن رَّبّكُمْ } أي بشهادة أن لا إله إِلا الله، ويقال: ببيان الحق، ويقال: للحق، يعني للعرض والحجة وقوله تعالى: { قَدْ جَاءَكُمُ } على وجه المجاز، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان فيهم، ولكن معناه، أنه قد ظهر فيكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال في آية أُخرى:{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [التوبة: 128] أي ظهر فيكم ثم قال { فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ } أي صدقوا بوحدانية الله تعالى والقرآن الذي جاءكم به محمد - صلى الله عليه وسلم - خيراً لكم من عبادة الأوثان، لأن عبادة الأوثان لا تغنيكم شيئاً، ثم قال تعالى: { وَإِن تَكْفُرُواْ } أي إن تجحدوا بالله وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - فإن الله غنياً عنكم { فَإِنَّ لِلَّهَ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وٱلأَرْضِ } كلهم عبيده وإماؤه. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } بخلقه { حَكِيماً } في أمره. ثم قال تعالى: { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ }. قال الضحاك: أي لا تكذبوا في دينكم، وقال بعض أهل اللغة الغلو، مجاوزة القدر في الظلم، ويقال: الغلو أن تجاوز ما حد لك، وقال القتبي: يعني لا تفرطوا في دينكم، فإن دين الله بين المقصر والغالي، وغلا في القول إذا تجاوز المقدار، وقال ابن عباس: وذلك أن اليعقوبية، وهم صنف من النصارى قالوا: عيسى هو الله، وقالت النسطورية: هو ابن الله، وقالت المرقوسية ويقال لهم الملكانية: هو ثالث ثلاثة، فنزل { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } ، قال مقاتل: الغلو في الدين أن يقول على الله غير الحق، ويقال: لا تتعمقوا في دينكم. ثم قال تعالى: { وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } يعني لا تصنعوا بالله بما لا يليق بصفاته، فإن الله تعالى واحد لا شريك له، ولا ولد له. ثم قال تعالى: { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَـٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } وهو قوله:{ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل: 40] ثم قال: { وَرُوحٌ مِّنْهُ } قال ابن عباس في رواية الكلبي: يعني أمر منه، فأتاها جبريل فنفخ في جيب درعها، فدخلت تلك النفخة بطنها، ثم وصل إلى عيسى ابن مريم فتحرك في بطنها، وأمه أمة الله تعالى { فَآمِنُواْ بِٱللهِ وَرُسُلِهِ } يعني صدقوا بوحدانية الله تعالى، وبما جاءكم به الرسل من الله تعالى، { وَلاَ تَقُولُواْ ثَلَـٰثَةٌ } يعني لا تقولوا أن الله ثالث ثلاثة { ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ } يقول: توبوا إلى الله تعالى من مقالتكم، فالتوبة خيرٌ لكم من الإصرار على الكفر { إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } ثم نزه نفسه عما قال الكفار فقال: { سُبْحَـٰنَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } ثم قال تعالى: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } من الخلق { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } يعني كفيلاً، ويقال: شاهداً، ولا شاهد أفضل منه.