الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

{ يا ايها الناس } خطاب لعامة الخلق { قد جاءكم الرسول } يعنى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم ملتبسا { بالحق } وهو القرآن المعجز الذى شهد اعجازه على حقيته او بالدعوة الى عبادة الله وحده والاعراض عما سواه فان العقل السليم يشهد على انه الحق { من } عند { ربكم } متعلق بجاء اى جاء من عند الله وانه مبعوث مرسل غير متقول له { فآمنوا } بالرسول وبما جاءكم به من الحق والفاء للدلالة على ايجاب ما قبلها لما بعدها { خيرا لكم } منصوب على انه مفعول لفعل واجب الاضمار اى اقصدوا او ائتوا امرا خيرا لكم مما انتم فيه من الكفر او على انه نعت لمصدر محذوف اى آمنوا ايمانا خيرا لكم وهو الايمان باللسان والجنان { وان تكفروا } اى ان تصروا وتستمروا على الكفر { فان لله ما فى السموات والارض } من الموجودات سواء كانت داخلة فى حقيقتهما وبذلك يعلم حال انفسهما على ابلغ وجه وآكده او خارجة عنهما مستقرة فيهما من العقلاء وغيرهم فيدخل فى جملتهم المخاطبون دخولا اوليا اى كلها له عز وجل خلقا وملكا وتصرفا لا يخرج من ملكوته وقهره شىء منها فمن هذا شأنه فهو قادر على تعذيبكم بكفركم لا محالة او فمن كان كذلك فهو غنى عنكم وعن غيركم لا يتضرر بكفركم ولا ينتفع بايمانكم او فمن كان كذلك فله عبيد يعبدونه وينقادون لامره { وكان الله عليما } مبالغا فى العلم فهو عالم باحوال الكل فيدخل فى ذلك علمه تعالى بكفرهم دخولا اوليا { حكيما } مراعيا للحكمة فى جميع افعاله التى من جملتها تعذيبه تعالى اياهم بكفرهم. واعلم ان النبى صلى الله عليه وسلم صورة النور الغيبى المرسل الى الاجساد فمن كان قابلا لافاضة نور دعوته فقد اهتدى ومن اخطأ فقد ضل. واتفق المشايخ على ان من ألقى زمامه فى يد كلب مثلا حتى لا يكون تردده بحكم طبعه فنفسه اقوم لقبول الرياضة ممن جعل زمامه فى حكم نفسه يسترسل بها حيث شاء كالبهائم فلما تيقنت ان الواجب عليك ان تكون تابعاً لا مسترسلا فلان تتبع سيد المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم الذى آدم ومن دونه من الاولياء والانبياء تحت لوائه خير لك بل واجب عليك وما اعظم حماقة من يحتاط بقول المنجم فى الاختلاج والفال وينقاد الى الاحتمالات البعيدة ثم اذا آل الامر الى خبر النبوة عن الغيب انكر فلا ترض لنفسك ان تصدق ابن البيطار فيما ذكره فى العقاقير والاحجار فتبادر الى امتثال ما امرك به ولا تصدق سيد البشر صلى الله عليه وسلم فيما يخبر عنه وتتوانى بحكم الكسل عن الاتيان بما امر به او فعل.

السابقالتالي
2