قوله تعالى: { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق } في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال. أحدها: أن معناها: ومثل الذين كفروا كمثل البهائم التي ينعق بها الراعي، وهذا قول الفراء، وثعلب، قالا جميعاً: أضاف المثل إلى الذين كفروا، ثم شبههم بالراعي، ولم يقل: كالغنم، والمعنى: ومثل الذين كفروا كمثل البهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فلو قال لها الراعي: ارعي، أو اشربي؛ لم تدر ما يقول لها، فكذلك الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن، وإنذار الرسول، فأضيف التشبيه إلى الراعي، والمعنى في المرعي، وهو ظاهر في كلام العرب، يقولون: فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى: كخوفه الأسد، [لأن الأسد هو المعروف بأنه المخوف]. قال الشاعر:
كانت فريضة ما تقول كما
كان الزناءُ فريضةَ الرجم
والمعنى كما كان الرجم فريضة الزنى. والثاني: أن معناها: ومثل الذين كفروا، ومثلنا في وعظهم، كمثل الناعق والمنعوق به، فحذف: ومثلنا، اختصاراً، إذ كان في الكلام ما يدل عليه، وهذا قول ابن قتيبة، والزجاج. والثالث: ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتم التي يعبدون، كمثل الذي ينعق، هذا قول ابن زيد، والذي ينعق هو الراعي، يقال: نعق بالغنم، ينعق نعقاً ونعيقاً ونعاقاً ونعقاناً. قال ابن الأنباري: والفاشي في كلام العرب أنه لا يقال: نعق، إلا في الصياح بالغنم وحدها، فالغنم تسمع الصوت ولا تعقل المعنى. { صُمٌ بُكمٌ } إنما وصفهم بالصم والبَكم، لأنهم في تركهم قبول ما يسمعون بمنزلة من لا يسمع، وكذلك في النطق والنظر، وقد سبق شرح هذا المعنى.