قوله تعالى: والغُلُوُّ: تجاوزُ الحدِّ، ومنه: " غَلْوة السهم " و " غَلاء السعر " قوله: { إِلاَّ ٱلْحَقَّ } هذا استثناء مفرغ، وفي نصبه وجهان، أحدهما: أنه مفعول به لأنه تضمَّن معنى القول نحو: " قلت خطبةً " والثاني: أنه نعتُ مصدر محذوف أي: إلا القولَ الحق، وهو قريب في المعنى من الأول. وقرأ جعفر بن محمد: " المِسِّيح " بوزن " السِّكِّيت " كأنه جَعَله مثالَ مبالغة نحو: شِرِّيبٌ العسلَ " و " المسيح " مبتدأ بعد " إنَّ " المكفوفة، و " عيسى " بدل منه أو عطف بيان، و " ابن مريم " صفته و " رسول الله " خبر المبتدأ، و " كلمتُه " عطف عليه. و " ألقاها " جملةٌ ماضية في موضع الحال، و " قد " معها مقدرةٌ. وفي عاملِ الحال ثلاثةُ أوجه نَقَلها أبو البقاء. أحدها: أنه معنى " كلمة " لأنَّ معنى وصف عيسى بالكلمة: المكونُ بالكلمة من غير أب، فكأنه قال: ومنشؤه ومبتدعُه. والثاني: أن يكون التقدير: إذ كان ألقاها، فـ " إذا " ظرفُ زمانٍ مستقبل، و " كان " تامة، وفاعلها ضمير الله تعالى. و " ألقاها " حالٌ من ذلك الفاعل، وهو كقولهم: " ضربني زيداً قائماً " والثالث: أن يكونَ حالاً من الهاء المجرورة، والعاملُ فيها معنى الإِضافة تقديره: وكلمةُ اللَّهِ مُلْقِياً إياها " انتهى. أمّا جعله العاملَ معنى " كلمة " فصحيح، لكنه لم يبين في هذا الوجه من هو صاحبُ الحال؟ وصاحبُ الحال الضميرُ المستتر في " كَلِمتُه " العائدُ على عيسى لم تَضمَّنَتْه من معنى المشتق نحو: " مُنشَأ ومُبتدَع " ، وأمّا جَعْلُه العاملَ معنى الإِضافة فشيء ضعيف، ذهب إليه بعض النحويين. وأمَّا تقديرُه الآيةَ بمثل " ضربي زيدا قائماً " ففاسد من حيث المعنى. والله أعلم. و " روحٌ " عطفٌ على " كلمة " و " منه " صفة لـ " روح " ، و " من " لابتداء الغاية مجازاً، وليست تبعيضيةً. ومن غريب ما يحكى أن بعض النصارى ناظَرَ علي بن الحسين بن واقد المروزي وقال: " في كتاب الله ما يَشْهد أنَّ عيسى جزءٌ من الله " وتلا: " وروح منه " ، فعارضه ابن واقد بقوله تعالى:{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } [الجاثية: 13]، وقال: " يلزم أن تكون تلك الأشياء جزءاً من الله تعالى وهو مُحالٌ بالاتفاق " فانقطع النصراني وأسلم. و " ثلاثةٌ " خبر مبتدأ مضمر، والجملة من هذا المبتدأ والخبر في محل نصب بالقول أي: ولا تقولوا: " آلهتنا ثلاثةٌ " يدلُّ عليه قوله بعد ذلك: { إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } وقيل: تقديره: الأقانيمُ ثلاثة أو المعبود ثلاثة.