الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

ونجد أن استخدام " الموت " يأتي في كلمات مُنَوَّعة، ففيه: " مَيِّت " و " مَيْتَة " ، و " ميّتة " ومثال ذلك ما يقوله الحق:فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ.. } [فاطر: 9]. و " الميّت " بتشديد الياء هو مَنْ ينتهي أمره إلى الموت وإن كان حياً، فكل واحد منا يقال له أنت ميّت، أي مصيره إلى الموت، ولذلك يخاطب الله رسوله:إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [الزمر: 30]. إذن فكلمة " مَيّت " معناها أنك ستموت، رغم أنك الآن حي. لكن عندما نقول: " مَيْت " ، بتسكين الياء، فمعناها مات بالفعل، وفي الشعر العربي جاء:
وما الميْت إلا مَنْ إلى القبر يُحمل   
والحق سبحانه وتعالى يقول: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ } [البقرة: 173]، ولو قال: " الميِّتة " بتشديد الياء، لقلنا: إن كل شيء سيموت يصير محرما، لكن كلام الله هنا الميْتة - بالياء الساكنة - وهي الميتة بالفعل، وهي التي خرجت روحها حتفاً لأنَّه فيه خروج الروح إزهاقاً بمعنى أن تذبحه فيموت لكن هناك مخلوقات تموت حتف أنفها، وساعة تموت الحيوانات حتف أنفها تُحتبس فيها خلاصة الأغذية التي تناولتها وهي الموجودة بالدم وهذا الدم فيه أشياء ضارة كثيرة، ففي الدم مواد ضارة فاسدة استخلصتها أجهزة الجسم وهو حي، وكانت في طريقها إلى الخروج منه، فإذا ما ذبحناه سال كل الدم الفاسد والسليم، ولأن درء المفسدة مقدمة على جلب المصلحة، فإننا نضحي بالدم السليم مع الدم الفاسد. وهذا الدم يختزنه الجسم عندما يموت، وتظل بداخله الأشياء الضارة فيصبح اللحم مملوءاً بالمواد الضارة التي تصيب الإنسان بالأمراض. ونظرة بسيطة إلى دجاجتين، إحداهما مذبوحة أريق دمها، والأخرى منخنقة أي لم يرق دمها، فإننا نجد اختلافا ظاهراً في اللون، حتى لو قمنا بطهي هذه وتلك فسنجد اختلافاً في الطعم، سنجد طعم الدجاجة المذبوحة مقبولاً، وسنجد طعم الدجاجة الميتة غير مقبول، وكان الذين لا يؤمنون بإله أو بمنهج يقومون بذبح الحيوانات قبل أكلها، لماذا؟ لقد هدتهم تجاربهم إلى أن هذه عملية فيها مصلحة، وإن لم يعرفوا طريقة الذبح الإسلامية. وحين يحرم الله { ٱلْمَيْتَةَ } فليس هناك أحد منا مطالب أن يجيب عن الله لماذا حرم الميتة؟، لأنه يكفينا أن الله قال: إنها حرام، وما دام الذي رزقك قال لك: لا تأكل هذه فقد أخرجها من رزقيه النفعية المباشرة، ولو لم يكن فيها ضرر نعلمه، هو سبحانه قد قال: لا تأكلها، فلا تأكلها، لأنه هو الذي رزق، وهو الذي خلقك، وهو الذي يأمرك بألا تأكلها، فليس من حقك بعد ذلك أن تسأل لماذا حرمها علي؟. وهب أننا لم نهتد إلى حكمة التحريم، ولم نعرف الأذى الذي يصيب الإنسان من أكل الميتة؟ هل كان الناس يقفون عند الأمر حتى تبدو علته، أم كانوا ينفذون أوامر الله بلا تفكير؟ لقد استمع المؤمنون لأوامر الحق ونفذوها دون تردد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6