الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

قد تقدّم الكلام في الكلالة في أوّل هذه السورة، وسيأتي ذكر المستفتي المقصود بقوله { يَسْتَفْتُونَكَ }. قوله { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ } أي إن هلك امرؤ هلك، كما تقدم في قولهوَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ } النساء 128. وقوله { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } إما صفة لـ { امرؤ } ، أو حال، ولا وجه للمنع من كونه حالاً، والولد يطلق على الذكر والأنثى، واقتصر على عدم الولد هنا مع أن عدم الوالد معتبر في الكلالة اتكالاً على ظهور ذلك، قيل والمراد بالولد هنا الابن، وهو أحد معنى المشترك لأن البنت لا تسقط الأخت. وقوله { وَلَهُ أُخْتٌ } عطف على قوله { ليس له ولد }. والمراد بالأخت هنا هي الأخت لأبوين، أو لأب لا لأم، فإن فرضها السدس، كما ذكر سابقاً. وقد ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن الأخوات لأبوين، أو لأب عصبة للبنات، وإن لم يكن معهم أخ. وذهب ابن عباس إلى أن الأخوات لا يعصبن البنات، وإليه ذهب داود الظاهري، وطائفة، وقالوا إنه لا ميراث للأخت لأبوين، أو لأب مع البنت، واحتجوا بظاهر هذه الآية، فإنه جعل عدم الولد المتناول للذكر والأنثى قيداً في ميراث الأخت، وهذا استدلال صحيح لو لم يرد في السنة ما يدل على ثبوت ميراث الأخت مع البنت، وهو ما ثبت في الصحيح أن معاذاً قضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنت وأخت، فجعل للبنت النصف، وللأخت النصف. وثبت في الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت فجعل للبنت النصف ولبنت الابن السدس وللأخت الباقي، فكانت هذه السنة مقتضية لتفسير الولد بالابن دون البنت. قوله { وَهُوَ يَرِثُهَا } أي المرء يرثها، أي يرث الأخت { إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ } ذكر إن كان المراد بإرثه لها حيازته لجميع ما تركته، وإن كان المراد ثبوت ميراثه لها في الجملة أعمّ من أن يكون كلاً، أو بعضاً صح تفسير الولد بما يتناول الذكر والأنثى، واقتصر سبحانه في هذه الآية على نفي الولد مع كون الأب يسقط الأخ، كما يسقطه الولد الذكر، لأن المراد بيان حقوق الأخ مع الولد فقط هنا. وأما سقوطه مع الأب، فقد تبين بالسنة، كما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " والأب أولى من الأخ { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ } أي فإن كان من يرث بالأخوّة اثنتين، والعطف على الشرطية السابقة، والتأنيث والتثنية، وكذلك الجمع في قوله { وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً } باعتبار الخبر { فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } المرء إن لم يكن له ولد، كما سلف، وما فوق الاثنتين من الأخوات يكون لهنّ الثلثان بالأولى { وَإِن كَانُواْ } أي من يرث بالأخوّة { إِخْوَةً رّجَالاً وَنِسَاء } أي مختلطين ذكوراً وإناثاً { فَلِلذَّكَرِ } منهم { مِثْلُ حَظِ ٱلأنْثَيَيْنِ } تعصيباً { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } أي يبين لكم حكم الكلالة، وسائر الأحكام كراهة أن تضلوا، هكذا حكاه القرطبي عن البصريين.

السابقالتالي
2