وهذه أيضاً من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم بسبب كفر بعضهم به، وعبادتهم معه غيره، وهو مع هذا يحلم ويصفح، ويؤجل ولا يعجل كما قال تعالى{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } فاطر 45 وقال ههنا { ءَأَمِنتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ } أي تذهب وتجيء وتضطرب { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً } أي ريحاً فيها حصباء تدمغكم كما قال تعالى{ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } الإسراء 68 وهكذا توعدهم ههنا بقوله { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } أي كيف يكون إنذاري، وعاقبة من تخلف عنه، وكذب به؟ ثم قال تعالى { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي من الأمم السالفة، والقرون الخالية { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }؟ أي فكيف كان إنكاري عليهم، ومعاقبتي لهم؟ أي عظيماً شديداً أليماً. ثم قال تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ } أي تارة يصففن أجنحتهن في الهواء، وتارة تجمع وتنشر جناحاً { مَا يُمْسِكُهُنَّ } أي في الجو { إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } أي بما سخر لهن من الهواء من رحمته ولطفه { إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ } أي بما يصلح كل شيء من مخلوقاته، وهذه كقوله تعالى{ أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِى جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } النحل 79.