الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

قوله تعالى: { عَلَىٰ قَمِيصِهِ }: في محل نصبٍ على الحال من " الدم ". قال أبو البقاء: " لأنَّ التقدير: جاؤوا بدمٍ كذبٍ على قميصه " ، يعني أنه لو تأخَّر لكان صفةً للنكرة. وهذا الوجهُ قد ردَّه الزمخشري فقال: " فإن قلت: هل يجوز أن تكون حالاً متقدمة؟ قلت: لا، لأنَّ حال المجرور لا تتقدَّم عليه ". وهذا الذي رَدَّ به الزمخشريُّ أحدُ قولَي النحاة، وقد صحَّح جماعةٌ جوازَه وأنشدوا:
2754 ـ...................   فَلَنْ يذهبوا فَرْغاً بقَتْلِ حِبال
وقولَ الآخر:
2755 ـ لَئِنْ كان بَرْدُ الماءِ هَيْمانَ صادِياً   إليَّ حبيباً إنَّها لحبيبُ
وقول الآخر:
2756 ـ غافلاً تَعْرِضُ المنيَّةُ لِلْمَرْ   ءِ فيُدْعَىٰ ولاتَ حينَ إباءُ
وقال الحوفي: " إنَّ " على قميصه " متعلقٌ بـ " جاؤوا " ، وفيه نظر؛ لأن مجيئَهم لا يصحُّ أن يكونَ على القميص.

وقال الزمخشري: " فإن قلتَ " على قميصه " ما محلُّه؟ قلت: محلُّه النصبُ على الظرف، كأنه قيل: وجاؤوا فوق قميصه بدم، كما تقول: جاء على جِماله بأَحْمال ". قال الشيخ: " ولا يساعد المعنىٰ على نصب " على " على الظرف بمعنى فوق، لأنَّ العامل فيه إذ ذاك " جاؤوا " ، وليس الفوقُ ظرفاً لهم، بل يستحيل أن يكونَ ظرفاً لهم ". وهذا الردُّ هو الذي رَدَدْت به على الحوفي قولَه إنَّ " على " متعلقةٌ بـ " جاؤوا ". ثم قال الشيخ: " وأمَّا المثال الذي ذكره الزمخشري وهو " جاء على جِماله بأَحْمال " فيمكن أن يكونَ ظرفاً للجائي لأنه تمكَّن الظرف فيه باعتبار تبدُّلِه مِنْ جملٍ إلى جمل، وتكون " بأَحْمال " في موضع الحال، أي: مضموماً بأحمال ".

وقرأ العامَّةُ: " كَذِب " بالذال المعجمة، وهو من الوصف بالمصادر فيمكن أن يكونَ على سبيل المبالغة نحو: رجلٌ عَدْلٌ أو على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذي كذب، نَسَبَ فِعْلَ فاعله إليه. وقرأ زيد بن علي " كَذِباً " فاحتمل أن يكون مفعولاً من أجله واحتمل أن يكونَ مصدراً في موضع الحال، وهو قليلٌ أعني مجيءَ الحالِ من النكرة.

وقرأ عائشة والحسن: " كَدِب " بالدال المهملة. وقال صاحبُ اللوامح: " معناه: ذي كَدِب، أي: أثر؛ لأنَّ الكَدِبَ هو بياضٌ يَخْرُجُ في أظافير الشباب ويؤثِّر فيها، فهو كالنقش، ويُسَمَّىٰ ذلك البياضُ " الفُوْف " فيكون هذا استعارةً لتأثيره في القميص كتأثير ذلك في الأظافير ". وقيل: هو الدمُ الكَدِر. وقيل: الطريُّ. وقيل: اليابس.

قوله: { بَلْ سَوَّلَتْ } قبل هذه الجملةِ جملةٌ محذوفة تقديره: لم يأكلْه الذئب، بل سَوَّلَتْ.

السابقالتالي
2