الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

العامة على " شَهِدَ " فعلاً ماضياً، مبنيًّا للفاعل، ولفظ الجلالة رَفْع به.

وقرأ أبو الشعثاء: " شُهِدَ " مبنيًّا للمفعول، ولفظ الجلالة قائِم مقام الفاعل، وعلى هذه القراءة يكون " أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ " في محل رفع؛ بدلاً من اسم " اللهُ " - بدل اشتمال، تقديره: شُهِدَ وحدانيةُ الله - تعالى - وألوهيتهُ.

ولما كان المعنى على هذه القراءة كذلك أشكل عطف الملائكة، وأولي العلم على لفظ الجلالة، فخُرِّج ذلك على عدم العطف، بل إما على الابتداء، والخبر محذوف؛ لدلالة الكلام عليه، تقديره: والملائكة، وأولو العلم يشهدون بذلك، يدل عليه قوله تعالى: { شَهِدَ ٱللَّهُ } ، وإما على الفاعلية بإضمار محذوف، تقديره: وشَهِدَ الملائكةُ، وأولو العلم بذلك، وهو قريب من قوله تعالى:يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [النور: 36]، في قراءة مَنْ بناه للمفعول.

وقوله: [الطويل]
1367 - لِيُبْكَ يَزِيدُ ضَارعٌ لِخُصُومَةٍ   وَمُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَّوَائِحُ
وقرأ أبو المهلَّب: " شُهَدَاءَ اللهِ " جمعاً على فُعَلاَء - كظُرفاءَ - منصوباً، ورُوِيَ عنه وعن أبي نُهَيْك كذلك إلا أنه مرفوع، وفي كلتا القراءتين مضاف للفظ الجلالة، فأما النصب فعلى الحال، وصاحبها هو الضمير المستتر في " الْمُسْتَغْفِرِينَ ".

قال ابنُ جني، وتبعه الزمخشريُّ، وأبو البقاء: وأما الرفع فعلى إضمار مبتدأ، أي: هم شهداءُ الله.

وشهداء: يُحْتَمل أن يكون جمع شاهد - كشاعر وشُعَراء - وأن يكون جمع شهيد كظريف وظُرفاء. وقرأ أبو المهلب - أيضاً -: " شُهُداً الله " - بضم الشين والهاء والتنوين ونصب لفظ الجلالة وهو منصوب على الحال؛ جمع شهيد - كنذير ونُذُر - واسم " الله " منصوب على التعظيم أي يشهدون الله، أي: وحدانيته.

وروى النقاش أنه قرأ كذلك، إلاّ أنه قال: برَفْع الدال ونصبها، والإضافة للَفْظ الجلالة، فالرفع والنصب على ما تقدم في " شُهَدَاءَ " ، وأما الإضافة، فيحتمل أن تكون محضة، بمعنى أنك عرفتهم إضافتهم إليه من غير تعرض لحدوث فعل، كقولك: عباد الله، وأن يكون من نصب كالقراءة قبلها فتكون غير محضة.

ونقل الزمخشريُّ أنه قُرِئ " شُهَدَاء لله " جمعاً على فُعَلاَء، وزيادة لام جر داخلة على اسم الله، وفي الهمزة النصب والرفع، وخرجهما على ما تقدم من الحال والخبر، وعلى هذه القراءات كلها ففي رفع " الْمَلاَئِكَةِ " وما بعدها ثلاثة أوجه:

أحدها: الابتداء، والخبر محذوف.

والثاني: أنه فاعل بفعل مقدر.

الثالث: - ذكره الزمخشريُّ - وهو النسق على الضمير المستكن في " شَهِدَ اللهُ " ، قال: " وجاز ذلك لوقوع الفاصلِ بينهما ".

قوله: " أنَّهُ " العامة على فَتح الهمزة، وإنما فُتِحَت؛ لأنها على حذف حرف الجر، أي: شهد الله بأنه لا إله إلا هو، فلما حذف الحرف جاز أن يكون محلها نصباً، وأن يكون محلها جَرًّا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8