قال عز وجل: { قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدّينَ } وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد الله، وملة جدك عبد المطلب، وسادات قومك يعبدون الأصنام، فنزل: { قُلْ } يا نبي الله إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ يعني التوحيد { وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } من أهل بلدي { قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى } وعبدت غيره ينزل علي { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي في يوم القيامة { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ } يعني أعبد الله { مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى } أي توحيدي { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مّن دُونِهِ } من الآلهة وهذا كقوله{ لَكُمْ دِينُكُمْ } [الكافرون: 6] ويقال: { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مّن دُونِهِ } لفظه لفظ التخبير والأمر، والمراد به التهديد والتخويف، كقوله { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُم مِن دُونِهِ } وكقوله: { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } ويقال: قد بين الله ثواب المؤمنين وعقوبة الكافرين، ثم قال: فاعبدوا ما شئتم من دونه وذلك قبل أن يؤمر بالقتال، فلما أيسوا منه أن يرجع إلى دينهم قالوا خسرت إن خالفت دين آبائك، فقال الله تعالى { قُلْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يعني أنتم الخاسرون لا أنا، ويقال الذين خسروا أنفسهم بفوات الدرجات ولزوم الشركات { أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } يعني الظاهر، حيث خسروا أنفسهم وأهلهم وأزواجهم { لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ ٱلنَّارِ } يعني أطباقاً من نار { وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } يعني مهاداً من نار، أو معناه أن فوقهم نار، وتحتهم نار { ذٰلِكَ يُخَوّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ } أي ذلك الذي ذكر يخوف الله به عباده في القرآن لكي يؤمنوا { يَٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ } أي فوحدون، وأطيعون { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ } قال مقاتل: يعني اجتنبوا عبادة الأوثان، وقال الكلبي: الطاغوت يعني الكهنة { أَن يَعْبُدُوهَا } يعني أن يطيعوها، ورجعوا إلى عبادة ربهم { وَأَنَابُواْ إِلَى ٱللَّهِ } أي أقبلوا إلى طاعة الله ويقال: رجعوا من عبادة الأوثان إلى عبادة الله { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } يعني الجنة، ويقال الملائكة يبشرونهم في الآخرة { فَبَشّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ } يعني القرآن { فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } يعني يعملون بحلاله، وينتهون عن حرامه، وقال الكلبي: يعني يجلس الرجل مع القوم فيستمع الأحاديث محاسن ومساوىء، فيتبع أحسنه فيأخذ المحاسن فيحدث بها، ويدع مساوئه، ويقال يستمعون القرآن ويتبعون أحسن ما فيه، وهو القصاص والعفو، يأخذ العفو لقوله{ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّـٰبِرينَ } [النحل: 126]، (وقال بعضهم: يستمع النداء، فيستجيب ويسرع إلى الجماعة وقال بعضهم: يستمع الناسخ والمنسوخ، والمحكم من القرآن فيعمل بالمحكم، ويؤمن بالناسخ والمنسوخ) ثم قال: { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ } أي وفقهم الله لمحاسن الأمور، ويقال { هَدَاهُمُ ٱللَّهُ } أي أكرمهم الله تعالى بدين التوحيد { وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُو ٱلأَلْبَـٰبِ } يعني ذوي العقول قوله عز وجل: { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ } يعني وجب له العذاب، ويقال أفمن سبق في علم الله تعالى أنه في النار، كمن لا يجب عليه العذاب { أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى ٱلنَّارِ } يعني تستنقذ من هو في علم الله تعالى أنه يكون في النار بعمله الخبيث، ويقال: من وجبت له النار، وقدرت عليه، ثم ذكر حال المؤمنين المتقين فقال عز من قائل: { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } يعني وحدوا ربهم، وأطاعوا ربهم، { لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ } في الجنة، وهي العلالي، غرف مبنية مرتفعة بعضها فوق بعض { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ وَعْدَ ٱللَّهِ } في القرآن { لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ }.