الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ }

{ انا سخرنا الجبال معه } بيان لفضله مع داود اى ذللناها ومع متعلق بالتسخير وايثارها على اللام لكون تسخير الجبال له عليه السلام لم يكن بطريق تفويض التصرف فيها اليه كتسخير الريح وغيرها لسليمان عليه السلام لكون سيرها معه بطريق التبعية له فتكون مع على حالها ويجوز ان تكون مع متعلقة بما بعدها وهو قوله { يسبحن } اى حال كونها تقدس الله تعالى مع داود لم يقل مسبحات للدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال. قال فى كشف الاسرار كان داود يسمع ويفهم تسبيح الجبال على وجه تخصيصه به كرامة له ومعجزة انتهى. واختلفوا فى كيفية التسبيح فقيل بصوت يتمثل له وهو بعيد وقيل بلسان الحال وهو ابعد وقيل بخلق الله فى جسم الجبل حياة وعقلا وقدرة ونطقا فحينئذ يسبح الله كما يسبح الاحياء العقلاء وهذا لسان اهل الظاهر واما عند اهل الحقيقة فسر الحياة سار فى جميع الموجودات حيوانا او نباتا او جمادا فالحياة فى الكل حقيقة لا عارضية او حالية او تمثيلية لكن انما يدركها كمل المكاشفين فتسبيح الجبال مع داود على حقيقته لكن لما كان على كيفية مخصوصة وسماعه على وجه غريب خارج عن العقول كان من معجزات داود عليه السلام وكراماته وقد سبق مرارا تحقيق هذا المقام بما لا مزيد عليه من الكلام { بالعشى } فى آخر النهار { والاشراق } فى اول النهار ووقت الاشراق هو حين تشرق الشمس اى تضيىء ويصفو شعاعها وهو قت الضحى واما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق. وعن ابن عباس رضى الله عنهما كنت امر بهذه الآية لا ادرى ما هى حتى حدثتنى ام هانى بنت ابى طالب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم فتح مكة فدعا بوضوء فتوضأ وفى البخارى واغتسل فى بيتها ثم صلا الضحى ثمانى ركعات وقال " يا ام هانى هذه صلاة الاشراق " ومن هنا قال بعضهم من دخل مكة واراد ان يصلى الضحى اول يوم اغتسل وصلاها كما فعله عليه السلام يوم فتح مكة. وقال بعضهم صلاة الضحى غير صلاة الاشراق كما دل عليه قوله عليه السلام " من صلى الفجر بجماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له كاجر حجة وعمرة تامة تامة " وهى صلاة الاشراق كما فى شرح المصابيح وقوله عليه السلام " صلاة الاوابين حين تدمض الفصال من الضحى " والمعنى أن صلاة الضحى تصلى اذا وجد الفصيل حر الشمس من الرمضاء اى من الارض التى اشتد حرها من شدة وقع الشمس عليها فان الرمض شدة وقع الشمس على الرمل وغيره والفصيل الذى يفصل ويفطم عن الرضاع من الابل وخص الفصال هنا بالذكر لانها التى ترمض لرقة جلد رجلها.

السابقالتالي
2