الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ }

{ لقد رأى من آيات ربه الكبرى } اى وبالله لقد رأى محمد عليه السلام ليلة المعراج الآيات التى هى كبراها وعظماها فأرى من عجائب الملك والملكوت مالا يحيط به نطاق العبارة فقوله { من آيات ربه } حال قدمت على ذيها وكلمة من للبيان لانه المناسب لمرام المقام وهو التعظيم والمبالغة ولذا لم تحمل على التبعيض على ان يكون هو المفعول ويجوز ان يكون الكبرى صفة للآيات والمفعول محذوف اى شيأ عظيما من آيات ربه وان يكون من مزيدة يعنى على مذهب الاخفش وكان الاسرآء ليلة السابع والعشررين من رجب على ما عليه الاكثر فى السنة الثانية عشرة من النبوة قبل الهجرة بقليل كما فى تفسير المناسبات وفيه اشكال فان هذه السورة نزلت فى السنة الخامسة من النبوة على مامر فى اول السورة قال ألمفسرون رأى عليه السلام اى ابصر تلك الليلة رفرفا اخضر سد افق السماء فجلس عليه السلام وجاوز سدرة المنتهى والرفرف البساط وهو صورة همته البسيطة العريضة المحيطة بالآفاق مطلقا لانه عليه السلام فى سفر العالم البسيط ولا يصل اليه الا من له علو الهمة مثله وقد قال حسان رضى الله عنه فى نعته عليه السلام
له همم لامنتهى لكبارها وهمته الصغرى اجل من الدهر   
ورأى تلك الليلة طوآئف الملائكة وسدرة المنتهى وجنة المأوى وما فى الجنان لاهل الايمان وما فى النيران لاهل الطغيان والظلم والانوار ومايعجز عنه الافكار وتحار فيه الابصار ومن ذلك مارأه فى السموات من الانبياء عليهم السلام اشارة بكل نبى الى امر دقيق جليل وحالة شريفة قال الامام ابو القاسم السهيلى رحمه الله فى الروض الانف والذى اقول فى هذا ان ماخذ فهمه من علم التعبير فانه من علم النبوة واهل التعبير يقولون من رأى نبيا بعينه فى المنام فان رؤياه تؤذن بما يشبه من حال ذلك النبى فى شدة او رخاء او غير ذلك من الامور التى اخبر بها عن الانبياء فى القرءآن والحديث مثلا من رأى آدم عليه السلام فى مكان على حسنه وجماله وكان للولاية اهلا ملك ملكا عظيما لقوله تعالىانى جاعل فى الارض خليفة } ومن رأى نوحا عليه السلام فانه يعيش عيشا طويلا ويصيبه شدة واذى من الناس ثم يظفر بهم ومن رأى ابراهيم عليه السلام فانه يعق اباه ويرزق الحج وينصر على اعدآئه ويناله هول وشدة من ملك جائر ثم ينصر ومن رأى يوسف عليه السلام فانه يكذب عليه ويظلم ويناله شدة ويحبس ثم يملك ملكا ويظفر و من رأى موسى وهرون عليهما السلام فان الله يهلك على يده جبارا عنيدا ومن رأى سليمان عليه السلام فانه يلى القضاء او الملك او يرزق الفقه ومن رأى عيسى عليه السلام فانه يكون رجلا مباركا نفاعا كثير الخير كثير السفر فى رضى الله ومن رأى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وليس فى رؤياه مكروه لم يزل خفيف الحال وان رأه فى ارض جدب اخصبت او فى ارض قوم مظلومين نصروا ومن رأه عليه السلام فان كان مغموما ذهب غمه وان كان مديونا قضى الله دينه وان كان مغلوبا نصر وان كان محبوسا اطلق وان كان عبدا اعتق وان كان غائبا رجع الى اهله سالما وان كان معسرا اغناه الله وان كان مريضا شفاه الله تعالى وحديث الاسرآء كان بمكة ومكة حرم الله وامنه وقطانها جيران الله لان فيها بيته فأول من رأه عليه السلام من الانبياء كان آدم عليه السلام الذى كان فى امن الله وجواره فأخرجه ابليس عدوه منها وهذه القصة تشبهها الحالة الاولى من احوال النبى عليه السلام حين اخرجه اعدآؤه من حرم الله وجوار بيته وكربه ذلك وغمه فأشبهت قصته فى هذه قصة آدم مع ان آدم تعرض عليه ارواح ذريته البر والفاجر منهم فكان فى السماء الدنيا بحيث يرى الفريقين لان ارواح اهل الشقاء لاتلج فى السماء ولا تفتح لهم ابوابها ثم رأى فى الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام وهما الممتحنان باليهود اما عيسى عليه السلام فكذبته اليهود وآذته وهموا بقتله فرفعه الله واما يحيى عليه السلام فقتلوه ورسول الله عليه السلام بعد انتقاله الى المدينة صار الى حالة ثانية من الامتحان وكانت محنته فيها باليهود آذوه وظاهروا عليه وهموا بالقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه الله كما نجى عيسى منهم ثم سموه فى الشاة فلم تزل تلك الاكلة تعاوده حتى قطعت ابهره كما قال عند الموت وفى المثنوى

السابقالتالي
2 3 4