الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ }

{ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ } استئناف لبيان قصته عليه السلام، وجوز كونه لتعليل قوته في الدين وأوابيته إلى الله عز وجل، ومع متعلقة بسخر، وإيثارها على اللام لأن تسخير الجبال له عليه السلام لم يكن بطريق تفويض التصرف الكلي فيها إليه كتسخير الريح وغيرها لسليمان عليه السلام بل بطريق الاقتداء به في عبادة الله تعالى. وأخر الظرف المذكور عن { ٱلْجِبَالُ } وقدم في سورة الأنبياء [79] فقيل:وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ } قال بعض الفضلاء: لذكر داود وسليمان ثمت فقدم مسارعة للتعيين ولا كذلك هنا، وجوز تعلقها بقوله تعالى: { يُسَبّحْنَ } وهو أقرب بالنسبة إلى آية الأنبياء، وتسبيحهن تقديس بلسان قال لائق بهن نظير تسبيح الحصى المسموع في كف النبـي صلى الله عليه وسلم، وقيل: تقديس بلسان الحال وتقييد بالوقتين المذكورين بعد يأباه إذ لا اختصاص لتسبيحهن الحالي بهما وكذا لا اختصاص له بكونه معه، وقيل المعنى يسرن معه على أن يسبحن من السباحة، والجملة حال من { ٱلْجِبَالُ } والعدول عن مسبحات مع أن الأصل في الحال الإفراد للدلالة على تجدد التسبيح حالاً بعد حال نظير ما في قول الأعشى:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة   إلى ضوء نار في يفاع تحرق
وجوز أن تكون مستأنفة لبيان كيفية التسخير ومقابلتها بمحشورة هنا كالمعينة للحالية.

{ بِٱلْعَشِىّ } هو كما قال الراغب: من زوال الشمس إلى الصباح أي يسبحن بهذا الوقت وليس ذلك نصاً في استيعابه بالتسبيح { وَٱلإشْرَاقِ } أي ووقت الإشراق، قال ثعلب: يقال شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا أضاءت وصفت فوقت الإشراق وقت ارتفاعها عن الأفق الشرقي وصفاء شعاعها وهو الضحوة الصغرى، وروي عن أم هانىء بنت أبـي طالب أن النبـي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى وقال: هذه صلاة الإشراق، وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء الخراساني أن ابن عباس قال: لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى قرأت هذه الآية { يُسَبّحْنَ بِٱلْعَشِىّ وَٱلإشْرَاقِ } وفي رواية عنه أيضاً ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية، ووجه فهم الحبر إياها من الآية أي كل تسبيح ورد في القرآن فهو عنده ما لم يرد به التعجب والتنزيه بمعنى الصلاة فحيث كانت صلاة لداود عليه السلام وقصت على طريق المدح علم منه مشروعيتها. وفي «الكشف» وجهه أن الآية دلت على تخصيصه عليه السلام ذينك الوقتين بالتسبيح وقد علم من الرواية أنه كان يصلي مسبحاً فيهما فحكى في القرآن ما كان عليه وإن لم يذكر كيفيته فيكون في الآية ذكر صلاة الضحى وهو المطلوب أو نقول: إن تسبيح الجبال/ غير تسبيح داود عليه السلام لأن الأول مجاز فحمل تسبيح داود على المجاز أيضاً لأن المجاز بالمجاز أنسب اهـ.

السابقالتالي
2 3