الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

{ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } ما يرمي به من فيه، خيراً كان أو شراً. وقرأ محمد بن أبـي معدان { مَّا يلفظ } بفتح الفاء { إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ } ملك يرقب قوله ويكتبه فإن كان خيراً فهو صاحب اليمين وإن كان شراً فهو صاحب الشمال { عَتِيدٌ } معد مهيأ لكتابة ما أمر به من الخير أو الشر. وتخصيص القول بالذكر لإثبات الحكم في الفعل بدلالة النص.

واختلف فيما يكتبانه فقال الإمام مالك وجماعة: يكتبان كل شيء حتى الأنين في المرض، وفي «شرح الجوهرة» للقاني مما يجب اعتقاده أن لله تعالى ملائكة يكتبون أفعال العباد من خير أو شر أو غيرهما قولاً كانت أو عملاً اعتقاداً، هماً كانت أو عزماً أو تقريراً اختارهم سبحانه لذلك فهم لا يهملون من شأنهم شيئاً فعلوه قصداً وتعمداً أو ذهولاً ونسياناً صدر / منهم في الصحة أو في المرض كما رواه علماء النقل والرواية انتهى.

وفي بعض الآثار ما يدل على أن الكلام النفسي لا يكتب، أخرج البيهقي في «الشعب» عن حذيفة بن اليمان أن للكلام سبعة أغلاق إذا خرج منها كتب وإن لم يخرج لم يكتب القلب واللها واللسان والحنكان والشفتان، وذهب بعضهم إلى أن المباح لا يكتبه أحد منهما لأنه لا ثواب فيه ولا عقاب والكتابة للجزاء فيكون مستثنى حكماً من عموم الآية وروي ذلك عن عكرمة. وأخرج ابن أبـي شيبة وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه من طريقه عن ابن عباس أنه قال: إنما يكتب الخير والشر لا يكتب يا غلام أسرج الفرس ويا غلام اسقني الماء، وقال بعضهم: يكتب كل ما صدر من العبد حتى المباحات فإذا عرضت أعمال يومه محى منها المباحات وكتب ثانياً ما له ثواب أو عقاب وهو معنى قوله تعالى:يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } [الرعد: 39] وقد أشار السيوطي إلى ذلك في بعض رسائله وجعل وجهاً للجمع بين القولين بكتابة المباح والقول بعدمها وقد روي نحوه عن ابن عباس. أخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم عنه أنه قال في الآية: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله: أكلت وشربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان من خير أو شر وألقي سائره فذلك قوله تعالى:يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } [الرعد: 39].

ثم إن المباح على القول بكتابته يكتبه ملك الشمال على ما يشعر به ما أخرجه ابن أبـي شيبة والبيهقي في «شعب الإيمان» من طريق الأوزاعي عن حسان بن عطية أن رجلاً كان على حمار فعثر به فقال: تعست فقال صاحب اليمين: ما هي بحسنة فاكتبها وقال صاحب الشمال ما هي بسيئة فاكتبها فنودي صاحب الشمال إن ما تركه صاحب اليمين فاكتبه، وجاء في بعض الأخبار أن صاحب اليمين أمين على صاحب الشمال، وقد أخرج ذلك الطبراني وابن مردويه والبيهقي في «الشعب» من حديث أبـي أمامة مرفوعاً، وفيه

السابقالتالي
2 3