الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

في هذه الآية الكريمة حث على تقوى الله في الجملة، واقترنت بالحث على النظر والتأمل فيما قدمت كل نفس لغد، وتكرر الأمر فيها بتقوى الله، مما يدل على شدة الاهتمام والعناية بتقوى الله على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله، سواء كان التكرار للتأكيد أم كان للتأسيس، وسيأتي بيانه إن شاء الله.

أما الاهتمام بالحث على التقوى، فقد دلت له عدة آيات من كتاب الله تعالى، ولو قيل: إن الغاية من رسالة الإسلام كلها، بل ومن جميع الأديان هو تحصيل التقوى لما كان بعيداً، وذلك للآتي:

أولاً: قوله تعالى:يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 21] ومعلوم أنه تعالى ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته، فتكون التقوى بمضمون هاتين الآيتين. هي الغاية من خلق الثقلين الإنس والجن. وقد جاء النص مفصلاً في حق كل أمة على حدة، منها في قوم نوح عليه السلام وقال تعالى:كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [الشعراء: 105-108] وفي قوم عاد قال تعالى:كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [الشعراء: 123-126] وفي قوم لوط:كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [الشعراء: 160-163]، وفي قوم شعيب، قوله تعالى:كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [الشعراء: 176-179].

فكل نبي يدعو قومه إلى التقوى كما قدمنا، ثم جاء القرآن كله دعوة إلى التقوى وهداية للمتقين، كما في مطلع القرآن الكريم:الۤمۤ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 1-2]، وبين نوع هذه الهداية المتضمنة لمعنى التقوى بقوله تعالى:ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [البقرة: 3-5].

وقد بين الشيخ - رحمة الله تعالى عليه - معنى التقوى عند قوله تعالى:وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ } [البقرة: 189].

قال: لم يبين هنا من المتقي، وقد بينه تعالى في قوله:وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّاءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوآ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [البقرة: 177].

وقد بينت آيات عديدة آثار التقوى في العاجل والآجل.

منها في العاجل قوله تعالى:وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7