الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }

{ قَالَ } استئناف كما مر غير مرة. { ٱخْرُجْ مِنْهَا } أي من الجنة أو من زمرة الملائكة أو من السماء الخلاف السابق { مَذْءُوماً } أي مذموماً كما روي عن ابن زيد أو مهاناً لعينا كما روي عن ابن عباس وقتادة، وفعله ذأم. وقرأ الزهري { مذوماً } بذال مضمومة وواو ساكنة وفيه احتمالان الأول أن يكون مخففاً من المهموز بنقل حركة الهمزة إلى الساكن ثم حذفها، والثاني أن يكون من ذام بالألف كباع وكان قياسه على هذا مذيم كمبيع إلا أنه أبدلت الواو من الياء على حد قولهم؛ مكول في مكيل مع أنه من الكيل، ونصبه على الحال وكذا قوله تعالى: { مَّدْحُورًا } وهو من الدحر بمعنى الطرد والإبعاد، وجوز في هذا أن يكون صفة.

واللام في قوله سبحانه: { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } على ما في «الدر المصون» موطئة للقسم و (من) شرطية في محل رفع مبتدأ. وقوله عز اسمه { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّم مِنْكُمْ أَجْمَعينَ } جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط، والخلاف في خبر المبتدأ في مثل ذلك مشهور، وجوز أن تكون اللام لام الابتداء و (من) موصولة مبتدأ صلتها { تَبِعَكَ } والجملة القسمية خبر. وقرأ عصمة عن عاصم { لِمَنْ } بكسر اللام فقيل. إنها متعلقة بلأملان. ورد بأن لام القسم لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وقيل: إنها متعلقة بالذأم والدحر على التنازع وأعمال الثاني أي أخرج بهاتين الصفتين لأجل اتباعك وقيل: إن الجار والمجرور خبر مبتدأ محذوف / يقدر مؤخراً أي لمن اتبعك هذا الوعيد. ودل على قوله سبحانه: { لأَمْلأَنَّ } الخ، ولعل ذلك مراد الزمخشري بقوله: أن { لأَمْلأَنَّ } في محل المبتدأ و { لَّمَن تَبِعَكَ } خبره كما يرشد إليه بيان المعنى. و { مِنكُمْ } بمعنى منك ومنهم فغلب فيه المخاطب كما في قوله سبحانه:أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [النمل: 55] ثم إن الظاهر أن هذه المخاطبات لابليس عليه اللعنة كانت منه عز وجل من غير واسطة وليس المقصود منها الإكرام والتشريف بل التعذيب والتعنيف، وذهب الجبائي إلى أنها كانت بواسطة بعض الملائكة لأن الله تعالى لا يكلم الكافر وفيه نظر.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات:المص } [الأعراف: 1] الألف إشارة إلى الذات الأحدية واللام إلى الذات مع صفة العلم والميم إلى معنى محمد وهي حقيقته والصاد إلى صورته عليه الصلاة والسلام. وقد يقال: الألف إشارة إلى التوحيد والميم إلى الملك واللام بينهما واسطة لتكون بينهما رابطة والصاد لكونه حرفاً كري الشكل قابلاً لجميع الأشكال كما قال الشيخ الأكبر قدس سره: فيه إشارة إلى أن الأمر وإن ظهر بالأشكال المختلفة والصور المتعددة أوله وآخره سواء، ولا يخفى لطف افتتاح هذه السورة بهذه الأحرف بناء على ما ذكره الشيخ قدس سره في «فتوحاته» من أن لكل منها ما عدا الألف الأعراف وأما الألف فقد ذكر نفعنا الله تعالى ببركات علومه أنه ليس من الحروف عند من شم رائحة من الحقائق لكن قد سمته العامة حرفاً فإذا قال المحقق ذلك فإنما هو على سبيل التجوز في العبادة والله تعالى أعلم بحقيقة الحال { كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ } أي ضيق من حمله فلا تسعه لعظمه فتتلاشى بالفناء والوحدة والاستغراق في عين الجمع

السابقالتالي
2 3