الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

اعلم أنه تعالى لما وصف المخلوقين لجهنم بقوله: { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ } أمر بعده بذكر الله تعالى فقال: { وَللَّهِ ٱلاسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } وهذا كالتنبيه على أن الموجب لدخول جهنم هو الغفلة عن ذكر الله. والمخلص عن عذاب جهنم هو ذكر الله تعالى وأصحاب الذوق والمشاهدة يجدون من أرواحهم أن الأمر كذلك فإن القلب إذا غفل عن ذكر الله، وأقبل على الدنيا وشهواتها وقع في باب الحرص وزمهرير الحرمان، ولا يزال ينتقل من رغبة إلى رغبة ومن طلب إلى طلب، ومن ظلمة إلى ظلمة، فإذا انفتح على قلبه باب ذكر الله ومعرفة الله تخلص عن نيران الآفات وعن حسرات الخسارات، واستشعر بمعرفة رب الأرض والسموات وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قوله تعالى: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَىٰ } مذكور في سور أربعة: أولها: هذه السورة. وثانيها: في آخر سورة بني إسرائيل في قوله:قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيَّامًا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 110] وثالثها: في أول طه وهو قوله:ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } [طه: 8] ورابعها: في آخر الحشر وهو قوله:هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ ٱلْبَارِىء ٱلْمُصَوّرُ لَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } [الحشر: 24]. إذا عرفت هذا فنقول: { ٱلاْسْمَاء } ألفاظ دالة على المعاني فهي إنما تحسن بحسن معانيها ومفهوماتها، ولا معنى للحسن في حق الله تعالى إلا ذكر صفات الكمال ونعوت الجلال، وهي محصورة في نوعين: عدم افتقاره إلى غيره، وثبوت افتقار غيره إليه. واعلم أن لنا في تفسير أسماء الله كتاباً كبيراً كثير الدقائق شريف الحقائق سميناه «بلوامع البينات في تفسير الأسماء والصفات»، من أراد الاستقصاء فيه فليرجع إليه، ونحن نذكر ههنا لمعاً ونكتاً منها. فنقول: إن أسماء الله يمكن تقسيمها من وجوه كثيرة. الوجه الأول: أن نقول: الاسم إما أن يكون اسماً للذات، أو لجزء من أجزاء الذات، أو لصفة خارجة عن الذات قائمة بها. أما اسم الذات فهو المسمى بالاسم الأعظم، وفي كشف الغطاء عما فيه من المباحثات أسرار. وأما اسم جزء الذات فهو في حق الله تعالى محال، لأن هذا إنما يفعل في الذات المركبة من الأجزاء، وكل ما كان كذلك فهو ممكن، فواجب الوجود يمتنع أن يكون له جزء. وأما اسم الصفة فنقول: الصفة إما أن تكون حقيقية أو إضافية أو سلبية، أو ما يتركب عن هذه الثلاثة، وهي أربعة، لأنه إما أن يكون صفة حقيقية مع إضافة أو مع سلب أو صفة سلبية مع إضافة أو مجموع صفة حقيقية وإضافة وسلبية. أما الصفة الحقيقية العارية عن الإضافة فكقولنا موجود عند من يقول: الوجود صفة، أو قولنا واحد، عند من يقول: الوحدة صفة ثانية، وكقولنا حي، فإن الحياة صفة حقيقية عارية عن النسب والإضافات، وأما الصفة الإضافية المحضة فكقولنا: مذكور ومعلوم، وأما الصفة السلبية، فكقولنا: القدوس السلام.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7